الأحد، 22 سبتمبر 2019

حدس الماهيات والإرجاع الماهوي عند هوسرل. (عن الفيسبوك)




حدس الماهيات والإرجاع الماهوي عند هوسرل


يعتبر هوسرل بأن رؤيتي لهذا الشيء الأحمر يحيلني إلى فكرة الأحمر بعامة، بصرف النظر عن الذي أراه الآن. (الإرجاع الماهوي)
السؤال هو: ما الذي يفرق بين ما جاء به هوسرل وبين مثل أفلاطون؟
أظن أن فكرة اللون الأحمر عند هوسرل جاءت من الحدس الحسي، أي من الإبصار، بينما هو عند أفلاطون فكرةٌ أو مثالٌ سابق على وجود الأشياء العينية، وهو ما يسمح لها بأن تكون حمراء.
سؤال آخر: ما الفرق إذاً بين ما يقوله هوسرل وبين المفاهيم التي نقوم بتجريدها من تكرار الخبرات كما يرى أرسطو؟ (أرسطو يقول بأننا نرى هذا الشيء الأحمر وذاك وثالث ورابع.. ثم يتكون لدينا مفهوم الأحمر الذي ليس له وجود واقعي كما يقول أفلاطون، هو ليس إلا اسم تم تجريده من الأمثلة الواقعية المتعددة. وكذلك مفهوم أو فكرة الحصان..)
وحين أتحدث عن الحصان بعامة، فأنا أتحدث عن الصفات المشتركة بين الأحصنة التي استخلصتها من الأمثلة العينية.
بالنسبة لهوسرل الأمر يختلف. أنا أحدس فكرة الحصان، (أو اللون الأحمر) من مرة واحدة، ولست بحاجة للتكرار.
وفكرة الحصان لا تحيلني إلى كل الصفات المشتركة بين الأحصنة. أنا حين أفكر في الحصان، فلا أستجمع تلك الخصائص المشتركة بين كل الأحصنة التي رأيتها. إني أحصل على هذا المفهوم بحدس حسي مباشر.
هل هذا ما يعنيه هوسرل؟..
أرجو التصويب من أصحاب الاختصاص.
(محمد الحجيري؛ سبتمبر 2017)
Top of Form
Bottom of Form

توضيحات الدكتور جمال نعيم:
لا يمكن الدخول الى الإرجاع الماهوي عند هوسرل بهذه الطريقة العفوية، ولا أرى المقارنة دقيقة بالشكل الذي تمّت عليه. فهوسرل يطرح منهجًا جديدًا للتعاطي مع الفلسفة بوصفها علمًا صارمًا وعلمًا دقيقًا يتمتع بأساسات مطلقة، بل بوصفها أيضًا علمًا كلّيًّا يضمُّ تحت عباءته بقية العلوم بما فيها العلوم الطبيعية. وهو هنا يتابع ديكارت اذ لا يخفي تأثره بأعظم فلاسفة فرنسا وإن كان خالفه بالمضمون الميتافيزيقي كلّه.
أنشأ هوسرل منهجيّة جديدة سمّاها الفيمياء أي علم الفينمانات وليس علم الظاهرات. وهو يميّز بين الفينمان أو المعيشات القصدية في الوعي وبين الظاهرة كما تظهر في الحس الخارجي. ما يهمّ هوسرل هو المعيش القصدي أو الفينمان الظاهر في الوعي وليس الظاهرات. هو يحاول دراسة بنية فعل الوعي، فيأخذ عن أستاذه برنتانو أنّ الوعي هو دائمًا وعيٌّ بشيء، هو توجّه الى شيء ما. لكنّ هذا الشيء ليس أشياء العالم اذ إنّ هوسرل دعا الى الآبوخه أو التعليق أو وضع العالم بين مزدوجين، فهو يريد تعليق الحكم على أشياء العالم بانتظار الانتهاء من دراسة بنية الوعي، وهو بذلك يريد أن يتجاوز النزعات الموضوعية والنفسانية التي تدرس الوعي كظاهرة نفسانية أو كظاهرة فيزيائية وتدعي الموضوعية في العلم من دون الانتباه الى أنّ ما يهمّ الانسان ليس وصف الظاهرة كما هي في الواقع، بل كما أعيشها في تيّار وعيي متدفّق، في سيلانٍ لا ينقطع. فالوعي يهب المعنى. إنّه وهّاب المعنى.
إنّ التعليق هو المرحلة الأولى من الإرجاع الفيميائي. فيقوم عندئذٍ هوسرل بما يسمّيه الوصف الفيميائي ويدخل في مرحلة الفيمياء الوصفية، فيجد دائمًا أنّ الحبّ هو حبٌّ لشيءٍ ما وأنّ الكره كرهٌ لشيء ما...، باختصار أنّ الوعي هو وعيٌ لشيءٍ ما. وهذا الشيء يجب أن يفهم من فعل شاء يشاء شيئًا. إنّه أغراض التفكير و"أشياؤه".
وبعد أن يثبت هوسرل أفهوم القصدية ينتقل الى أفهوم الحدس المقولي ليتمايز من كنط فيعتبر أنّ الحدس المقولي هو الذي يعطي الحدس الحسي قيمته الموضوعية، وليس هناك من حدس حسي بمعزل عن الحدس المقولي أو حتى الحدس العقلي الذي يؤدي الى الادراك المباشر للماهيّات . وهنا نصل الى مرحلة الإرجاع الماهوي بحيث يكون ادراكي للطاولة مثلًا مهما كان إدراكًا لجانب من جوانب الطاولة أو إدراكًا من زاوية معيّنة هو إدراك للطاولة بكليّتها أي إدراك لطاوليّة الطاولة أو لحائطيّة الحائط أو لأنثوية الأنثى أو لكرسويّة الكرسي، وهكذا تتبدى أمامنا الماهيّات الأيدوسيّة، ثم ينتقل هوسرل الى مرحلة الإرجاع المجاوز عندما يدخل في مرحلة الفيمياء المجاوزة، أي عندما لا يعود إدراك الطاولة هو ما يهمّني، بل ما يهمني الآن هو فعل إدراك الطاولة، اذ يصبح فعل إدراك الطاولة هو موضوع تأمّلي وتفكري، وبذلك أبتعد كلّيًّا عن العالم الموضوعي والطبيعي. ما أتأمّله الآن هو أفعال إدراكي وليس إدراكي للأشياء. وبذلك يعتبر هوسرل أنّ الفيمياء المجاوزة مرحلة ضرورية ويجب أن تعقب الفيمياء الوصفية التي كانت ما تزال معفّرة أو ملطّخة بالموقف الطبيعي. عند هذه المرحلة الثالثة يصل هوسرل الى الأنا المحض المطلق الذي بإمكانه أن يؤسس كلّ موضوعية وكلَّ علم من دون اللجوء الى فرضيّات ميتافيزيقية كما هو الحال عند ديكارت. يصل هوسرل الى الجوهرة النقيّة الصافية، الى الأنا المحض، الى الذاتيّة المجاوزة حيث تلتقي بالضرورة هذه الذات بذوات أخرى أو تفترض ذوات أخرى. وهكذا نصل الى أفهوم البيْذَوِيّة عند هوسرل. وبهذا الأفهوم يخرج هوسرل من الأناًوحديّة. هذا باختصار شديد، ما يجب الحديث عنه عند الحديث الماهوي عند هوسرل اذ لا يجوز فصله عن سياقه.

(عن الفيسبوك)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق