لماذا صار نيتشه
مجدداً مصدر إلهامٍ لليمين المتطرّف.
هيوجو دروتشون*
حين سُئِل ستيفن بينكر في حوار جرى مؤخرًا
عن أكثر الكُتَّاب المبالغ في تقديرهم، أجاب عالم النفس المتميز بجامعة هارفارد
أنه فريدريش نيتشه. وفسَّر ذلك قائلًا:
«من السهل معرفة لِم ألهمت تخاريفه المريضة اجتماعيًا العديد من الحركات الكريهة
في القرنين العشرين والحادي والعشرين، ومن ضمنها الفاشية والنازية والبلشفية
والتحررية الحَدِّية لدى آيان راند، والحركات اليمينية البديلة والنازية الجديدة
في يومنا هذا».
من وجهة نظر بينكر، كان الفيلسوف التحليلي البريطاني برتراند راسل على حق حيال نيتشه في كتابه «تاريخ الفلسفة الغربية» الذي صدر عام 1945، حين أشار إلى أنه كان من الأفضل أن يعيش نيتشه في أثينا في عهد بركليس أو فلورنسا في عهد المديتشي من أن يعيش في العصر الحديث. كان من الأفضل أن يعيش في الماضي لا الحاضر، وتحديدًا في عصرين عَرَفا بداية الديمقراطية والنهضة، وهو وفقًا لبينكر أمر مشكوك فيه، لأنه وفقًا لكل المقاييس أصبحت الحياة اليوم أطول وأكثر صحة وأمانًا وسلامًا، وأكثر نشاطًا ورفاهية (صمم 75 رسمًا بيانيًا ليثبت ذلك). «إذا أردنا أن نحدد مفكرًا يمثل ما هو ضد الإنسانية (وفي الحقيقة يمثل كل الحجج ضد هذا الكتاب)، لا يمكن أن نحدد مفكرًا مناسبًا أفضل من الفيلولوجي الألماني فريدريش نيتشه»، هكذا يكتب بينكر في نهاية كتابه «التنوير الآن»، ويقترح «إسقاط نيتشه».
كاتب آخر يلوم النمط النيتشوي ما بعد الحداثي على مساوئ العالم، وهو عالم النفس الأكاديمي الكندي جوردان بيترسون، الذي صار اليمين البديل يُكِنُّ له معزة خاصة. يقدم بيترسون نفسه كمدافع عن «التقاليد» أو «الليبرالية الكلاسيكية». بخلاف سلسلة محاضراته على الإنترنت، صار بيترسون محطًا للاهتمام العالمي بسبب هجومه على القانون الكندي الذي يجبر الناس على استخدام الضمائر المحايدة جندريًا. أما زميله في جامعة تورونتو، رونالد بينر، أستاذ العلوم السياسية، فقد ربط نيتشه صراحة باليمين البديل في كتابه «عقول خطرة». ذهب بينر إلى أن رَفْض نيتشه للتنوير كان له تأثير على مُنَظِّري الجناح اليميني بداية من ريتشارد سبنسر وحتى ستيف بانون.
من دعوته بـ «مناهض التنوير» وحتى إلهامه لليمين البديل: لم عاد نيتشه ليظهر في الكتب السيئة مجددًا؟
حتى نفهم لم يُساء تفسير نيتشه، فأفضل نقطة انطلاق هي كتاب «تاريخ الفلسفة الغربية» لراسل. ألَّف راسل الكتاب خلال الحرب العالمية الثانية، بينما كان في كلية برين ماور بالقرب من فلادلفيا. وعلى الرغم من الاحتفاء بالكتاب بسبب أسلوبه الأدبي، واعتبار أنه أسهم في حصول راسل على جائزة نوبل في الأدب عام 1950، قابل المتخصصون بالرفض الآراء المتعلقة بعدة فلاسفة في الكتاب، ومن بينهم نيتشه.
راسل، داعية السلام المعروف، والذي ناهض الحرب في البداية، قبل أن يعتبرها الأقل وطأة بين الشرين -بالمقارنة بالشر الناجم عن استيلاء هتلر على أوروبا- كان جل عمله في «تاريخ الفلسفة الغربية» بمثابة رد فعل شخصي على الحرب. هكذا كان جزءًا مما يحاول فعله هو فهم صعود هتلر، ووجد الإجابة على ذلك: نيتشه.
أعلن راسل أن الحرب العالمية الثانية هي «حرب نيتشه». ومع وجود دونالد ترامب في البيت الأبيض واليمين البديل في الشوارع، بدأ العديد من المعلقين يتساءلون إذا كانت الفاشية قد وصلت بالفعل إلى أميركا. هكذا ليس من المفاجئ أن نرى أن اللحظة الحالية تُقارن تاريخيًا بالثلاثينيات من القرن العشرين. زَعَم موسوليني أنه تأثر بنيتشه، وقدَّم هتلر نفسه كالإنسان المتفوق النيتشوي الذي يقود العرق الآري الأسمى للانتصار.
توفى نيتشه عام 1900 بعد أن عانى من انهيار عقلي عام 1889، تقول الأسطورة إنه انهار في تورين حين رأى حصانًا يسوطه صاحبه، وضع ذراعيه حوله ليحميه. لم تكن الرموز السياسية العظمى في تلك الآونة هتلر ولا موسوليني، وإنما بسمارك، ولم تكن السياسة فاشية ولا نازية، وإنما «سياسات القوى» المتعلقة بتوحيد ألمانيا وتوازن القوى الأوروبي.
وُلد نيتشه عام 1844، في مدينة روكِن الصغيرة بمقاطعة سكسونيا بألمانيا. توفى أبوه، القس اللوثري، في سن صغيرة للغاية، بسبب تلف في المخ، المرض الذي ربما أصيب به نيتشه نفسه في نهاية حياته. كان طالبًا نابهًا منذ وقت مبكر، وحاز على كرسي الفيلولوجيا في جامعة بازل في عمر الرابعة والعشرين. ولكنه صحته ابتُليَت في معظم سنوات حياته وكان عليه أن يستقيل من منصبه، وبعدها صار مفكرًا متجولًا.
قابل معظم الشخصيات البارزة في عصره، ومن ضمنهم ريتشارد فاجنر، الذي سيزدريه نيتشه بعد ذلك لقوميته الألمانية ومعاداته للسامية والاتجاه للمسيحية. عرف أيضًا المحللة النفسية ثم عشيقة وملهمة سيجموند فرويد لو آندرياس سالومي، التي أحبها (مثلما أحبها الجميع). تقدم لها نيتشه مرتين على الأقل، ولكنها تجاهلته وفرَّت مع صديقه بول ري. تطوع أيضًا ليصير ضابط فرسان في الحرب الفرنسية البروسية في عامي 1870 و1871، وهي آخر الحروب التي شنها بسمارك لتوحيد ألمانيا لتكون الرايخ الألماني الأول وبروسيا على رأسها.
***
من الصعب أن نبالغ في تقدير تأثير نيتشه على الثقافة في القرن العشرين. كان لأسلوبه الأدبي أثر على ألبير كامو، وآندريه جيد، ود. هـ. لورانس، وجاك لندن، وتوماس مان، ويوكيو ميشيما، ويوجين أونيل، ووليام بتلر ييتس، ووندهام لويس، وجورج برنارد شو؛ وأثرت فلسفته في مارتن هايدغر وجان بول سارتر وجاك ديريدا وميشيل فوكو، وكثيرًا ما يعتبر أب الوجودية والنظرية النقدية وما بعد البنيوية والتفكيك وما بعد الحداثة. تتنوع كتبه بين دراسة المسرح اليوناني القديم في «ميلاد التراجيديا» (1872) ثم في كتابه الفلسفي الشعري «هكذا تكلم زرادشت» (1883) وهجومه على المسيحية في كتابه الأخير «عدو المسيح» (1888). وهو معروف اليوم بكتابه الجدلي الذي كتبه عام 1887 «في جينالوجيا الأخلاق»، الذي استكشف فيه خلال ثلاثة مقالات فكرة أن التاريخ كله عبارة عن صراع بين نَسَقين أخلاقيين، نَسَق النبلاء «أخلاق السادة»؛ الذي يُقَدِّر القوة والجمال والشجاعة والنجاح، وأخلاق «العبيد»؛ النَسَق الذي يُقَدِّر الطيبة والشفقة والتعاطف. وبقوة رَبَط النَسَق الأخير بالمسيحية.
ولكنه لم يتوقف عند هذا الحد: استخدم نظرياته وأفكاره ليحلل سياسات عصره. كان هدف بسمارك هو توحيد ألمانيا، وهكذا ربما تتمكن من أن تحظى بمقعد على مائدة الأمم العظمى الأخرى –فرنسا وبريطانيا العظمى وروسيا- الذين كانوا يقسمون العالم فيما بينهم. ولكن نيتشه رفض السياسات القائمة على القومية والرهاب من الأجانب والضحالة وتقسيم أوروبا: كان هذا تعبيرًا سياسيًا عن أخلاق العبيد، التي تحدَّث عنها بالتفصيل في كتاب «الجينالوجيا». وبدلًا من ذلك، صاغ نسقه الأخلاقي عن السادة، «الأخلاق العظمى»، الذي يستهدف توحيد أوروبا «القارية» لتقودها نخبة جديدة عابرة للقوميات. هدفها لا يقتصر على قيادة أوروبا إلى ما دعاه روديارد كيبلينج بعد ذلك بـ «اللعبة العظمى» –أي صراع القوى بين بريطانيا وروسيا على أفغانستان والهند الشرقية (“جوهرة التاج)- ولكن الأكثر أهمية هو المشاركة في خَلْق ثقافة سامية جديدة أوروبية بحق.
***
كيف صار نيتشه فيلسوف الرايخ الثالث؟ كان ألفرد بويملر، فيلسوف البلاط النازي، هو من حوَّله إلى «المتنبئ بهتلر»، بحسب تعبير الكاتب الألماني توماس مان. جرت إعادة صياغة نيتشه ليكون فيلسوف الدولة الألمانية وفيلسوف النقاء العرقي الألماني. ساعدت بويملر وحرضته شقيقة نيتشه إليزابيث، التي نشرت مجموعة من أوراقه الأخيرة في كتاب بعنوان «إرادة القوة».
كان نيتشه مقربًا من أخته، التي كانت تصغره بعامين، حين كان أصغر سنًا، توترت علاقتهما حين حاولت التدخل في تودده المحكوم عليه بالفشل تجاه لو آندرياس سالومي، الذي اعتبرته إليزابيث «غير أخلاقي». ولكن القطيعة التامة حدثت حين تزوجت من برنارد فورستر، معادي السامية المتعصب الذي حاول تأسيس مستعمرة آرية «نقية» باسم «نويفا جيرمانيا» في باراجواي. استنكر نيتشه في رسالة إلى أخته ما يفعله فورستر واعتبره جزءًا من «قطيع معاداة السامية»، ولم يتحدثا مجددًا. لبقية حياته اعتبر نيتشه نفسه «معاد لمعاداة السامية».
انتهت تجربة المستعمرة بباراجواي بالفشل: انتحر فورستر، وعادت إليزابيث إلى ألمانيا في بداية التسعينيات من القرن التاسع عشر وكانت مثقلة بالديون. ولكنها وجدت فرصة في نجومية أخيها الحديثة (الذي أصيب بانهيار عقلي في تلك الفترة).
كان الناقد الأدبي الدنماركي العظيم جيورج برانديس، الذي كان يهوديًا، قد بدأ يحاضر عن نيتشه في كوبنهاجن. اعتبرت إليزابيث نفسها وصية على ميراث أخيها الأدبي. ومن منطلق هذا ظهرت مجموعة أوراقه الأخيرة، التي حررتها إليزابيث وقدمتها على أنها عمله الأعظم الذي كان ينوي استكماله، على الرغم من أن نيتشه زعم أنه «أنهى» كتابه الأخير «عدو المسيح». زعم النازيون أن نيتشه فيلسوفهم، وفي عام 1934 زار هتلر أرشيف نيتشه الذي أنشأته إليزابيث في فايمار، وأهدته عصا المشي الخاصة بأخيها.
على الرغم أنه منذ هذه الحقبة لا نتذكر سوى مَن يُدعى بنيتشه النازي، لم يكون بويملر الصوت الوحيد الموجود. على سبيل المثال كتب عالم النفس والفيلسوف الوجودي كارل ياسبرز ما يعتبره العديد من الناس أول دراسة أكاديمية جادة عن نيتشه عام 1936، وشرح فيها أنه «ينوي شن حملة على الاشتراكيين القوميين من خلال العالم الفكري للإنسان الذي يزعمون أنه فيلسوفهم».
استمر الصراع بين نيتشه الطيب والشرير منذ ذلك الزمن. بعد الحرب العالمية الثانية، وصل نيتشه إلى بر الأمان مجددًا، بعدما أظهر الفيلسوف والمترجم الألماني المهاجر فالتر كوفمان في دراسته الكلاسيكية عام 1950 إلى أن كتاب «إرادة القوة» كان مزيفًا.
نيتشه الذي ظهر من هذا التيار التفسيري كان نيتشه أسعد (وأكثر أدبية)، كان نيتشه متصلًا بذات فردية أشبه بالتي تم عرضها في السينما (مثلما في فيلم «الإشراق الخالد على الذهن الصافي»)، والأدب والشعر. ولكن نيتشه الخبيث لم يكن بعيدًا جدًا، عاد للظهور في الثمانينيات من القرن العشرين، في «الحروب الثقافية» في أمريكا، تحديدًا كنتيجة لهجوم الفيلسوف المحافظ آلان بلوم على النسبية الأخلاقية، أو «العدمية»، التي رأى أنها سيطرت على الجامعات الأمريكية. كان بلوم قد قرأ نيتشه، واحتفى بنخبويته الثقافية، ولكنه استنكر كيف ساعد فكره قضية سياسات الهوية الليبرالية التي كان يزدريها.
المثير للمفارقة أن مصطلح «الحرب الثقافية» مستمد من مصطلح بسمارك Kulturkampf – «صراعه الثقافي» ضد الكاثوليكية الألمانية التي كان قلقًا من أنها لن تكون وفية للرايخ البروتستانتي الجديد. ازدرى نيتشه سياسات بسمارك، وتمنى سرًا أن «تلتهم الكنيسة الكاثوليكية والدولة الألمانية بعضهما». بالنسبة له، كان هذا «الصراع» بمثابة «خناقة» بداخل المسيحية نفسها: الصراع التاريخي العالمي الحقيقي يكون بين أخلاق السادة والعبيد، بينما الصراع بين الكاثوليكية والبروتستانتية ليس سوى صراع بداخل نسق أخلاق العبيد نفسه.
في النهاية سواء كان لدينا نيتشه الطيب أو الخبيث، يخبرنا نيتشه عن أنفسنا وأزمنتنا أكثر مما يخبرنا عن نيتشه، حين تمضي الأمور بشكل طيب يكون لدينا نيتشه صاحب الخَلْق الذاتي الفردي، وحين تكون الأمور خبيثة يكون لدينا نيتشه الأب الروحي للفاشية.
ولكن هناك شيء أعمق متغلغل في كل هذا، وهو متعلق بزعم نيتشه سيء السمعة بـ «موت الإله».
ما كان نيتشه يعنيه هو أنه في المجتمعات الحديثة لم تعد هناك نقطة مرجعية أخلاقية لإرشادها في أفعالها: وهو الدور الذي كانت تلعبه المسيحية. حدث هذا بسبب التنوير الذي يدافع عنه ستيفن بينكر، الذي لم يخلخل فقط الإيمان بالإله المسيحي ولكن كل أنماط البنى الإيمانية.
جاء التنوير بانتصار العقلانية العلمية على الإلهام المقدس. لم يعد لدينا أخلاق مشتركة تنظم حياتنا، وتُركنا بدلًا من ذلك للنسبية الأخلاقية أو العدمية: وهي الإيمان بأن الحياة بلا قيمة؛ وأنه ليست هناك أخلاق موضوعية. تؤمن العدمية بأن «لا شيء صحيح، وكل شيء مسموح به»، وربما كان يستعير نيتشه جملة دوستويفسكي، أحد روائييه المفضلين، والذي أعتبره أحد أعظم النفسانيين في زمنه.
كثيرًا ما يُعتبر نيتشه واحدًا من الفلاسفة والنفسانيين العظام، لأنه شَخَّص الأمراض التي أصابت عصرنا: احتفى به فرويد لأنه يملك «أعمق معرفة عن نفسه، أكثر من أي شخص عاش أو سيعيش». وهذه العدمية –الشعور بأنك منفصل عن العالم الحديث– تلتقط شيئًا عميقًا عن روح عصرنا، الذي شهد أحداثًا كبيرة –انتخاب ترامب والبريكست إذا اكتفينا بحدثين– يجدها العديد من الناس عصية على الفهم. إذا فقدنا بوصلتنا الأخلاقية، علينا أن نبحر باحثين عن مرسى جديد، ولكن البحر المفتوح ما زال يفصلنا عن هذا المرسى.
***
كل من ستيفن بينكر وجوردان بيترسون عالم نفسي، لذا لا يفاجئنا أن تشخيص نيتشه، النفساني-الفيلسوف، للعدمية في العالم الحديث، لا بد أن يلعب دورًا مركزيًا في تفكيرهما. يتفق الاثنان على أن مَصَاب العالم كامن في العدمية، والاثنان يريدان استعادة النظام للعالم. العنوان الفرعي لكتاب بيترسون «12 قاعدة للحياة» هو «مصل للفوضى». يعتقد بينكر أن الإجابة تتمثل في العودة إلى قيم التنوير ومناهجه، المرتكزة على العلم الحديث، وهكذا لا بد من تجاهُل نيتشه وكأنه لم يكن موجودًا. يؤمن بيترسون أن العالم منقسم بين النظام والفوضى، ولكي يسيطر النظام الذكوري على الفوضى الأنثوية، لا بد أن تسود العالم القواعد أو الاقتراحات الإثني عشر.
عَرَض نيتشه فكرته عن «موت الإله» من خلال رجل مجنون يندفع إلى سوق في ضوء النهار ومعه مصباح، يسأل أين الإله، يقابله المتجمعون حوله بالسخرية، وهم غير مؤمنين.
يصيح المجنون «أين الإله؟ سأخبركم أين الإله، الإله مات، ونحن قتلناه، أنتم وأنا».
قوبل هذا بالصمت المطبق، وفي النهاية بعدما غضب منهم، ألقى المجنون مصباحه على الأرض وحطمه وقال لنفسه: «لقد جئت مبكرًا جدًا، لم يحن وقتي بعد. هذا الخطب الجلل ما زال يمضي في مساره، ما زال يرتحل – ولم يصل بعد إلى آذان البشر. يحتاج البرق والرعد إلى الوقت، تحتاج الأفعال بعدما تُفعل إلى الوقت قبل أن تشهدها الأعين والآذان».
الهدف من هذه الفقرة الشهيرة في كتاب «العلم المرح» (1882)، أنه على الرغم من أن «الإله مات» –وأن غير المؤمنين لم يعودوا يؤمنون به- فهم يستمرون في العيش وكأنه ما زال حيًا. هذا ما يُطلِق عليه نيتشه العيش في «ظلال الإله». التحدي الذي يفرضه نيتشه، من خلال مَثَل المجنون في السوق، وخطابه إلى غير المؤمنين، لا يتعلق بالتظاهر بأن الإله لم يمت ولا السقوط في العدمية، وإنما أن نمتلك الشجاعة بأن نُشَكِّل قيمنا نحن. إذا قتلنا الله إذن «أليس علينا أن نكون آلهة لنبدو مستحقين لهذا؟» هكذا يتساءل المجنون.
من منظور نيتشه، ما يقترحه بينكر وبيترسون هو البقاء في نطاق ظلال الإله. يريد بينكر أن ينصب إلها جديدًا وهو إله التنوير، بقيمه ومناهجه. أثناء شرحه قواعد الحياة، يستعين بيترسون كثيرًا بالأساطير والأديان العظمى من الماضي، التي يصفها على أنها قصص أخلاقية أساسية. ولكن من مات ليس الإله المسيحي فقط وإنما «ماتت كل الآلهة» كما سيوضح زرداشت -الأنا البديلة سيئة السمعة لنيتشه؛ ليست المسيحية فقط هي التي سقطت عنها الدعائم وإنما كل أنماط الأخلاق.
أوشك بيترسون على الدفاع عما يدافع عنه نيتشه –استغرق طويلًا في فكرته عن موت الإله في كتاب الـ «12 قاعدة»– ولكنه تراجع عن التحديق في الهاوية. ربما لأنه لم يعجبه ما رآه فيها. («حين تحدق في الهاوية، تحدق الهاوية فيك» كما يوضح نيتشه). يتفق بيترسون مع فكرة أننا نعيش في عصر العدمية، ولكنه يرفض وجهة نظر نيتشه التي تقول إن ما تبقى لنا هو أن نخلق قيمنا الخاصة: «لا يمكننا أن نبتكر قيمنا، لأننا ببساطة لا يمكن أن نفرض ما نؤمن به على أرواحنا». لدينا طبيعة لا بد أن نكتشفها، ونحتاج إلى قواعد لحياتنا حتى لا تسيطر الفوضى على النظام.
ليس لدى نيتشه شيء ليقوله ضد القيود، ولا يؤمن بأنه سيكون متاحًا لأي شخص أن يخلق قيمه الخاصة: يسره كثيرًا أن يعيش معظم الناس وكأن الإله ما زال حيًا. ولكن كما رأينا في فقرة الرجل المجنون، لا يعني هذا أنه كان يعتقد أن خَلْق قيم جديدة سيكون غير متاح لأحد. سيكون متاحًا لغير المؤمنين، ممن لديهم الشجاعة لخَلْق قيمهم الخاصة.
في كتابه «عقول خطرة»، كان بينر على حق في الإشارة إلى أن نيتشه «أراد أن يكون الإبداع والآفاق المفتوحة متاحة للفيلسوف البطولي، وأراد آفاقًا مغلقة ومقيدة لجميع الآخرين»، باستثناء أن نيتشه كان يعتقد أن الآفاق المغلقة والمقيدة هي آفاق تفرضها الذات على نفسها (أي أن قطيع أخلاق العبيد يفرضها على نفسه). هذه الرؤية السياسية لا تجعل نيتشه نازيًا على الفور. في الحقيقة، هناك عنصر جمعي في فكر نيتشه: يتقبل بسرور فكرة أن معظم الحضارات عبارة عن مزيج من أخلاق السادة وأخلاق العبيد، ومعظم الناس لا بد أن يستمروا في العيش وكأن الإله ما زال موجودًا، بينما من لا يفعلون ذلك لا بد أن يحظوا بفرصة استكشاف أحوال وجود جديدة.
وفقًا لنيتشه، كل من النمطين الحياتيين له قيمته، وكانت رغبته أن إيجاد التوازن المناسب بين النمطين هو ما يفتح الباب إلى ما نعتبره اليوم الليبرالية السياسية؛ أي السياسة التي تحاول إيجاد الوسيط بين المجالات والمطالب المتصارعة، بينما يحظى كل طرف بحقه.
***
لا شك في أن رَبْط نيتشه بالعدمية صحيح، ولكن لوم نيتشه على العدمية أشبه بقتل الرسول: شخَّص نيتشه مجيء العدمية، ولكنه لم يكرسها؛ مشروعه كله هو محاولة إيجاد مخرج منها. هكذا فإن ربط نيتشه بالفاشية، كما يفعل بينكر وبينر، يؤدي في الغالب إلى نتائج عكسية: سينتهز اليمين البديل الفرصة ويستغل نيتشه لإضفاء ثقل فكري يفتقدونه في حركتهم، مثل النازيين وموسوليني اللذين حاولا استغلال نيتشه لتبرير أفعالهم.
إذا كان نيتشه مشخِّصًا للعدمية وليس رسولًا لها، ربما تجعلنا الأدوات المفاهيمية التي شكَّلها لنفسه ليفهم العالم الذي عاش فيه، أفضل طريقة للاستفادة منه اليوم. في النهاية، كان نيتشه فيلسوفًا للضغينة، التي يبدو أنها تقود معظم السياسات الشعبوية اليوم.
في الحقيقة، إن فكرة «أخلاق العبيد»، التي تمثلها القومية والرهاب من الأجانب والانقسامات، تبدو كطريقة جيدة لوصف العديد من التيارات السياسية في اليمين المتطرف. أنهى برتراند راسل فصله عن نيتشه في «تاريخ الفلسفة الغربية» بهذه الجملة: «كان لأتباعه جولاتهم، ولكن ربما نأمل أن ينتهي هذا سريعًا»، وهذا غير مرجح، وأبرز أسباب ذلك أننا ما زلنا نصارع فكرة «موت الإله». لن يكون المَخرَج بتنصيب نيتشه طيب أو نيتشه خبيث آخر، إنما بالمواجهة المباشرة مع ما حاول أن يعلمه لنا.
ما الذي كان يحاول توضيحه؟ بطريقته الخاصة كان دَرْس نيتشه الأعظم هو فكرته عن العود الأبدي. في فقرة شهيرة أخرى من كتاب «العلم المرح»، يسأل نيتشه: “ماذا يحدث لو في أحد الأيام أو الليالي تسلل شيطان إلى أعماق وحدتك وقال لك: (هذه الحياة التي تعيشها وعشتها، سيكون عليك تكرارها مجددًا تكرارًا لانهائيَا) ألن تلقي بنفسك على الأرض وتُصِرُّ على أسنانك وتلعن الشيطان الذي أخبرك بهذا؟ أم أنك ستختبر اللحظة الهائلة حين تجيبه: (إنك إله ولم أستمع من قبل لشيء بهذا السمو)». الكلمة الرئيسية هنا هي «لو»: لا يزعم نيتشه أن العود الأبدي صحيح –وأنك ستكرر عيش كل موقف في حياتك بشكل لانهائي- ولكنه يسألك كيف تتصرف إذا كان هذا صحيحًا. هل «ستلعن الشيطان» أم ستقول «لم أستمع من قبل لشيء بهذا السمو؟»
ربما يميل معظم الناس إلى الخيار الأول-هناك العديد من اللحظات في حياة الإنسان التي لا يريد تكرارها- والحقيقة أنه لو تُرك للناس الخيار فمعظمهم يريدون أن يعودوا للماضي ليغيروا شيئًا فعلوه وندموا عليه. ما يحاول نيتشه أن يعالجنا منه هو مشاعر البغضاء تجاه ماضينا: يريدنا أن نقبله. وإحدى طرق قبول الماضي هو التعلم منه لمواجهة مستقبلنا: إذا لم نرتكب أخطاء في الماضي كيف يمكن أن نَحذَر ارتكاب الأخطاء نفسها في المستقبل؟
هكذا يمكن أن يكون السؤال الذي نطرحه على أنفسنا: أي فعل مستقبلي يمكن أن يبرر أخطائي الماضية، وما في المستقبل يمكن أن يجعلني أتصالح مع الفعل الماضي الذي أندم عليه؟ هذا هو سبب أن العود الأبدي لا يقتصر فقط على النظر للوراء، ولكن فيه بُعد مستقبلي أيضًا: يكتب نيتشه عن «هذا الذي لا يريد شيئًا مختلفًا، لا في المستقبل ولا الماضي، ولا في الأبدية كلها». تجاوُز بغض المرء لماضيه هو الطريقة الوحيدة لتجاوز العدمية، لإضفاء معنى على حياة المرء من جديد.
ونقول مرة أخرى؛ لن ينجح معظم الناس في الاختبار، ولكن هذا مقبول: نيتشه راض عن فكرة أن معظم الناس –تقريبًا الأغلبية- سيعيشون حياتهم بالطريقة التي عاشوا بها، ولكن بالنسبة لمن يرغب في المحاولة، ربما تقدم فكرة العود الأبدي الأساس لقيم جديدة ولأخلاق جديدة. كما أوضح الفيلسوف الأخلاقي برنارد وليامز في كتابه «الأخلاق وحدود الفلسفة» (1985)، ما كان نيتشه يحاول فعله هو أن تحل محل الأخلاق الرأسية المؤسسية الدوجمائية المطلقة، أخلاق تصاعدية فردية تخلقها الذات. هل سينجح ذلك؟ من يدري، ولكن ربما يحتاج الأمر إلى المحاولة. وإذا لم نحاول فسوف تحل علينا اللعنة التي تجبرنا إلى الأبد على الاستمرار في ممارسة لعبة نيتشه الطيب ونيتشه الخبيث.
عن موقع نيو ستيتسمان 29 أغسطس 2018
ترجمة: أمير زكي
من وجهة نظر بينكر، كان الفيلسوف التحليلي البريطاني برتراند راسل على حق حيال نيتشه في كتابه «تاريخ الفلسفة الغربية» الذي صدر عام 1945، حين أشار إلى أنه كان من الأفضل أن يعيش نيتشه في أثينا في عهد بركليس أو فلورنسا في عهد المديتشي من أن يعيش في العصر الحديث. كان من الأفضل أن يعيش في الماضي لا الحاضر، وتحديدًا في عصرين عَرَفا بداية الديمقراطية والنهضة، وهو وفقًا لبينكر أمر مشكوك فيه، لأنه وفقًا لكل المقاييس أصبحت الحياة اليوم أطول وأكثر صحة وأمانًا وسلامًا، وأكثر نشاطًا ورفاهية (صمم 75 رسمًا بيانيًا ليثبت ذلك). «إذا أردنا أن نحدد مفكرًا يمثل ما هو ضد الإنسانية (وفي الحقيقة يمثل كل الحجج ضد هذا الكتاب)، لا يمكن أن نحدد مفكرًا مناسبًا أفضل من الفيلولوجي الألماني فريدريش نيتشه»، هكذا يكتب بينكر في نهاية كتابه «التنوير الآن»، ويقترح «إسقاط نيتشه».
كاتب آخر يلوم النمط النيتشوي ما بعد الحداثي على مساوئ العالم، وهو عالم النفس الأكاديمي الكندي جوردان بيترسون، الذي صار اليمين البديل يُكِنُّ له معزة خاصة. يقدم بيترسون نفسه كمدافع عن «التقاليد» أو «الليبرالية الكلاسيكية». بخلاف سلسلة محاضراته على الإنترنت، صار بيترسون محطًا للاهتمام العالمي بسبب هجومه على القانون الكندي الذي يجبر الناس على استخدام الضمائر المحايدة جندريًا. أما زميله في جامعة تورونتو، رونالد بينر، أستاذ العلوم السياسية، فقد ربط نيتشه صراحة باليمين البديل في كتابه «عقول خطرة». ذهب بينر إلى أن رَفْض نيتشه للتنوير كان له تأثير على مُنَظِّري الجناح اليميني بداية من ريتشارد سبنسر وحتى ستيف بانون.
من دعوته بـ «مناهض التنوير» وحتى إلهامه لليمين البديل: لم عاد نيتشه ليظهر في الكتب السيئة مجددًا؟
حتى نفهم لم يُساء تفسير نيتشه، فأفضل نقطة انطلاق هي كتاب «تاريخ الفلسفة الغربية» لراسل. ألَّف راسل الكتاب خلال الحرب العالمية الثانية، بينما كان في كلية برين ماور بالقرب من فلادلفيا. وعلى الرغم من الاحتفاء بالكتاب بسبب أسلوبه الأدبي، واعتبار أنه أسهم في حصول راسل على جائزة نوبل في الأدب عام 1950، قابل المتخصصون بالرفض الآراء المتعلقة بعدة فلاسفة في الكتاب، ومن بينهم نيتشه.
راسل، داعية السلام المعروف، والذي ناهض الحرب في البداية، قبل أن يعتبرها الأقل وطأة بين الشرين -بالمقارنة بالشر الناجم عن استيلاء هتلر على أوروبا- كان جل عمله في «تاريخ الفلسفة الغربية» بمثابة رد فعل شخصي على الحرب. هكذا كان جزءًا مما يحاول فعله هو فهم صعود هتلر، ووجد الإجابة على ذلك: نيتشه.
أعلن راسل أن الحرب العالمية الثانية هي «حرب نيتشه». ومع وجود دونالد ترامب في البيت الأبيض واليمين البديل في الشوارع، بدأ العديد من المعلقين يتساءلون إذا كانت الفاشية قد وصلت بالفعل إلى أميركا. هكذا ليس من المفاجئ أن نرى أن اللحظة الحالية تُقارن تاريخيًا بالثلاثينيات من القرن العشرين. زَعَم موسوليني أنه تأثر بنيتشه، وقدَّم هتلر نفسه كالإنسان المتفوق النيتشوي الذي يقود العرق الآري الأسمى للانتصار.
توفى نيتشه عام 1900 بعد أن عانى من انهيار عقلي عام 1889، تقول الأسطورة إنه انهار في تورين حين رأى حصانًا يسوطه صاحبه، وضع ذراعيه حوله ليحميه. لم تكن الرموز السياسية العظمى في تلك الآونة هتلر ولا موسوليني، وإنما بسمارك، ولم تكن السياسة فاشية ولا نازية، وإنما «سياسات القوى» المتعلقة بتوحيد ألمانيا وتوازن القوى الأوروبي.
وُلد نيتشه عام 1844، في مدينة روكِن الصغيرة بمقاطعة سكسونيا بألمانيا. توفى أبوه، القس اللوثري، في سن صغيرة للغاية، بسبب تلف في المخ، المرض الذي ربما أصيب به نيتشه نفسه في نهاية حياته. كان طالبًا نابهًا منذ وقت مبكر، وحاز على كرسي الفيلولوجيا في جامعة بازل في عمر الرابعة والعشرين. ولكنه صحته ابتُليَت في معظم سنوات حياته وكان عليه أن يستقيل من منصبه، وبعدها صار مفكرًا متجولًا.
قابل معظم الشخصيات البارزة في عصره، ومن ضمنهم ريتشارد فاجنر، الذي سيزدريه نيتشه بعد ذلك لقوميته الألمانية ومعاداته للسامية والاتجاه للمسيحية. عرف أيضًا المحللة النفسية ثم عشيقة وملهمة سيجموند فرويد لو آندرياس سالومي، التي أحبها (مثلما أحبها الجميع). تقدم لها نيتشه مرتين على الأقل، ولكنها تجاهلته وفرَّت مع صديقه بول ري. تطوع أيضًا ليصير ضابط فرسان في الحرب الفرنسية البروسية في عامي 1870 و1871، وهي آخر الحروب التي شنها بسمارك لتوحيد ألمانيا لتكون الرايخ الألماني الأول وبروسيا على رأسها.
***
من الصعب أن نبالغ في تقدير تأثير نيتشه على الثقافة في القرن العشرين. كان لأسلوبه الأدبي أثر على ألبير كامو، وآندريه جيد، ود. هـ. لورانس، وجاك لندن، وتوماس مان، ويوكيو ميشيما، ويوجين أونيل، ووليام بتلر ييتس، ووندهام لويس، وجورج برنارد شو؛ وأثرت فلسفته في مارتن هايدغر وجان بول سارتر وجاك ديريدا وميشيل فوكو، وكثيرًا ما يعتبر أب الوجودية والنظرية النقدية وما بعد البنيوية والتفكيك وما بعد الحداثة. تتنوع كتبه بين دراسة المسرح اليوناني القديم في «ميلاد التراجيديا» (1872) ثم في كتابه الفلسفي الشعري «هكذا تكلم زرادشت» (1883) وهجومه على المسيحية في كتابه الأخير «عدو المسيح» (1888). وهو معروف اليوم بكتابه الجدلي الذي كتبه عام 1887 «في جينالوجيا الأخلاق»، الذي استكشف فيه خلال ثلاثة مقالات فكرة أن التاريخ كله عبارة عن صراع بين نَسَقين أخلاقيين، نَسَق النبلاء «أخلاق السادة»؛ الذي يُقَدِّر القوة والجمال والشجاعة والنجاح، وأخلاق «العبيد»؛ النَسَق الذي يُقَدِّر الطيبة والشفقة والتعاطف. وبقوة رَبَط النَسَق الأخير بالمسيحية.
ولكنه لم يتوقف عند هذا الحد: استخدم نظرياته وأفكاره ليحلل سياسات عصره. كان هدف بسمارك هو توحيد ألمانيا، وهكذا ربما تتمكن من أن تحظى بمقعد على مائدة الأمم العظمى الأخرى –فرنسا وبريطانيا العظمى وروسيا- الذين كانوا يقسمون العالم فيما بينهم. ولكن نيتشه رفض السياسات القائمة على القومية والرهاب من الأجانب والضحالة وتقسيم أوروبا: كان هذا تعبيرًا سياسيًا عن أخلاق العبيد، التي تحدَّث عنها بالتفصيل في كتاب «الجينالوجيا». وبدلًا من ذلك، صاغ نسقه الأخلاقي عن السادة، «الأخلاق العظمى»، الذي يستهدف توحيد أوروبا «القارية» لتقودها نخبة جديدة عابرة للقوميات. هدفها لا يقتصر على قيادة أوروبا إلى ما دعاه روديارد كيبلينج بعد ذلك بـ «اللعبة العظمى» –أي صراع القوى بين بريطانيا وروسيا على أفغانستان والهند الشرقية (“جوهرة التاج)- ولكن الأكثر أهمية هو المشاركة في خَلْق ثقافة سامية جديدة أوروبية بحق.
***
كيف صار نيتشه فيلسوف الرايخ الثالث؟ كان ألفرد بويملر، فيلسوف البلاط النازي، هو من حوَّله إلى «المتنبئ بهتلر»، بحسب تعبير الكاتب الألماني توماس مان. جرت إعادة صياغة نيتشه ليكون فيلسوف الدولة الألمانية وفيلسوف النقاء العرقي الألماني. ساعدت بويملر وحرضته شقيقة نيتشه إليزابيث، التي نشرت مجموعة من أوراقه الأخيرة في كتاب بعنوان «إرادة القوة».
كان نيتشه مقربًا من أخته، التي كانت تصغره بعامين، حين كان أصغر سنًا، توترت علاقتهما حين حاولت التدخل في تودده المحكوم عليه بالفشل تجاه لو آندرياس سالومي، الذي اعتبرته إليزابيث «غير أخلاقي». ولكن القطيعة التامة حدثت حين تزوجت من برنارد فورستر، معادي السامية المتعصب الذي حاول تأسيس مستعمرة آرية «نقية» باسم «نويفا جيرمانيا» في باراجواي. استنكر نيتشه في رسالة إلى أخته ما يفعله فورستر واعتبره جزءًا من «قطيع معاداة السامية»، ولم يتحدثا مجددًا. لبقية حياته اعتبر نيتشه نفسه «معاد لمعاداة السامية».
انتهت تجربة المستعمرة بباراجواي بالفشل: انتحر فورستر، وعادت إليزابيث إلى ألمانيا في بداية التسعينيات من القرن التاسع عشر وكانت مثقلة بالديون. ولكنها وجدت فرصة في نجومية أخيها الحديثة (الذي أصيب بانهيار عقلي في تلك الفترة).
كان الناقد الأدبي الدنماركي العظيم جيورج برانديس، الذي كان يهوديًا، قد بدأ يحاضر عن نيتشه في كوبنهاجن. اعتبرت إليزابيث نفسها وصية على ميراث أخيها الأدبي. ومن منطلق هذا ظهرت مجموعة أوراقه الأخيرة، التي حررتها إليزابيث وقدمتها على أنها عمله الأعظم الذي كان ينوي استكماله، على الرغم من أن نيتشه زعم أنه «أنهى» كتابه الأخير «عدو المسيح». زعم النازيون أن نيتشه فيلسوفهم، وفي عام 1934 زار هتلر أرشيف نيتشه الذي أنشأته إليزابيث في فايمار، وأهدته عصا المشي الخاصة بأخيها.
على الرغم أنه منذ هذه الحقبة لا نتذكر سوى مَن يُدعى بنيتشه النازي، لم يكون بويملر الصوت الوحيد الموجود. على سبيل المثال كتب عالم النفس والفيلسوف الوجودي كارل ياسبرز ما يعتبره العديد من الناس أول دراسة أكاديمية جادة عن نيتشه عام 1936، وشرح فيها أنه «ينوي شن حملة على الاشتراكيين القوميين من خلال العالم الفكري للإنسان الذي يزعمون أنه فيلسوفهم».
استمر الصراع بين نيتشه الطيب والشرير منذ ذلك الزمن. بعد الحرب العالمية الثانية، وصل نيتشه إلى بر الأمان مجددًا، بعدما أظهر الفيلسوف والمترجم الألماني المهاجر فالتر كوفمان في دراسته الكلاسيكية عام 1950 إلى أن كتاب «إرادة القوة» كان مزيفًا.
نيتشه الذي ظهر من هذا التيار التفسيري كان نيتشه أسعد (وأكثر أدبية)، كان نيتشه متصلًا بذات فردية أشبه بالتي تم عرضها في السينما (مثلما في فيلم «الإشراق الخالد على الذهن الصافي»)، والأدب والشعر. ولكن نيتشه الخبيث لم يكن بعيدًا جدًا، عاد للظهور في الثمانينيات من القرن العشرين، في «الحروب الثقافية» في أمريكا، تحديدًا كنتيجة لهجوم الفيلسوف المحافظ آلان بلوم على النسبية الأخلاقية، أو «العدمية»، التي رأى أنها سيطرت على الجامعات الأمريكية. كان بلوم قد قرأ نيتشه، واحتفى بنخبويته الثقافية، ولكنه استنكر كيف ساعد فكره قضية سياسات الهوية الليبرالية التي كان يزدريها.
المثير للمفارقة أن مصطلح «الحرب الثقافية» مستمد من مصطلح بسمارك Kulturkampf – «صراعه الثقافي» ضد الكاثوليكية الألمانية التي كان قلقًا من أنها لن تكون وفية للرايخ البروتستانتي الجديد. ازدرى نيتشه سياسات بسمارك، وتمنى سرًا أن «تلتهم الكنيسة الكاثوليكية والدولة الألمانية بعضهما». بالنسبة له، كان هذا «الصراع» بمثابة «خناقة» بداخل المسيحية نفسها: الصراع التاريخي العالمي الحقيقي يكون بين أخلاق السادة والعبيد، بينما الصراع بين الكاثوليكية والبروتستانتية ليس سوى صراع بداخل نسق أخلاق العبيد نفسه.
في النهاية سواء كان لدينا نيتشه الطيب أو الخبيث، يخبرنا نيتشه عن أنفسنا وأزمنتنا أكثر مما يخبرنا عن نيتشه، حين تمضي الأمور بشكل طيب يكون لدينا نيتشه صاحب الخَلْق الذاتي الفردي، وحين تكون الأمور خبيثة يكون لدينا نيتشه الأب الروحي للفاشية.
ولكن هناك شيء أعمق متغلغل في كل هذا، وهو متعلق بزعم نيتشه سيء السمعة بـ «موت الإله».
ما كان نيتشه يعنيه هو أنه في المجتمعات الحديثة لم تعد هناك نقطة مرجعية أخلاقية لإرشادها في أفعالها: وهو الدور الذي كانت تلعبه المسيحية. حدث هذا بسبب التنوير الذي يدافع عنه ستيفن بينكر، الذي لم يخلخل فقط الإيمان بالإله المسيحي ولكن كل أنماط البنى الإيمانية.
جاء التنوير بانتصار العقلانية العلمية على الإلهام المقدس. لم يعد لدينا أخلاق مشتركة تنظم حياتنا، وتُركنا بدلًا من ذلك للنسبية الأخلاقية أو العدمية: وهي الإيمان بأن الحياة بلا قيمة؛ وأنه ليست هناك أخلاق موضوعية. تؤمن العدمية بأن «لا شيء صحيح، وكل شيء مسموح به»، وربما كان يستعير نيتشه جملة دوستويفسكي، أحد روائييه المفضلين، والذي أعتبره أحد أعظم النفسانيين في زمنه.
كثيرًا ما يُعتبر نيتشه واحدًا من الفلاسفة والنفسانيين العظام، لأنه شَخَّص الأمراض التي أصابت عصرنا: احتفى به فرويد لأنه يملك «أعمق معرفة عن نفسه، أكثر من أي شخص عاش أو سيعيش». وهذه العدمية –الشعور بأنك منفصل عن العالم الحديث– تلتقط شيئًا عميقًا عن روح عصرنا، الذي شهد أحداثًا كبيرة –انتخاب ترامب والبريكست إذا اكتفينا بحدثين– يجدها العديد من الناس عصية على الفهم. إذا فقدنا بوصلتنا الأخلاقية، علينا أن نبحر باحثين عن مرسى جديد، ولكن البحر المفتوح ما زال يفصلنا عن هذا المرسى.
***
كل من ستيفن بينكر وجوردان بيترسون عالم نفسي، لذا لا يفاجئنا أن تشخيص نيتشه، النفساني-الفيلسوف، للعدمية في العالم الحديث، لا بد أن يلعب دورًا مركزيًا في تفكيرهما. يتفق الاثنان على أن مَصَاب العالم كامن في العدمية، والاثنان يريدان استعادة النظام للعالم. العنوان الفرعي لكتاب بيترسون «12 قاعدة للحياة» هو «مصل للفوضى». يعتقد بينكر أن الإجابة تتمثل في العودة إلى قيم التنوير ومناهجه، المرتكزة على العلم الحديث، وهكذا لا بد من تجاهُل نيتشه وكأنه لم يكن موجودًا. يؤمن بيترسون أن العالم منقسم بين النظام والفوضى، ولكي يسيطر النظام الذكوري على الفوضى الأنثوية، لا بد أن تسود العالم القواعد أو الاقتراحات الإثني عشر.
عَرَض نيتشه فكرته عن «موت الإله» من خلال رجل مجنون يندفع إلى سوق في ضوء النهار ومعه مصباح، يسأل أين الإله، يقابله المتجمعون حوله بالسخرية، وهم غير مؤمنين.
يصيح المجنون «أين الإله؟ سأخبركم أين الإله، الإله مات، ونحن قتلناه، أنتم وأنا».
قوبل هذا بالصمت المطبق، وفي النهاية بعدما غضب منهم، ألقى المجنون مصباحه على الأرض وحطمه وقال لنفسه: «لقد جئت مبكرًا جدًا، لم يحن وقتي بعد. هذا الخطب الجلل ما زال يمضي في مساره، ما زال يرتحل – ولم يصل بعد إلى آذان البشر. يحتاج البرق والرعد إلى الوقت، تحتاج الأفعال بعدما تُفعل إلى الوقت قبل أن تشهدها الأعين والآذان».
الهدف من هذه الفقرة الشهيرة في كتاب «العلم المرح» (1882)، أنه على الرغم من أن «الإله مات» –وأن غير المؤمنين لم يعودوا يؤمنون به- فهم يستمرون في العيش وكأنه ما زال حيًا. هذا ما يُطلِق عليه نيتشه العيش في «ظلال الإله». التحدي الذي يفرضه نيتشه، من خلال مَثَل المجنون في السوق، وخطابه إلى غير المؤمنين، لا يتعلق بالتظاهر بأن الإله لم يمت ولا السقوط في العدمية، وإنما أن نمتلك الشجاعة بأن نُشَكِّل قيمنا نحن. إذا قتلنا الله إذن «أليس علينا أن نكون آلهة لنبدو مستحقين لهذا؟» هكذا يتساءل المجنون.
من منظور نيتشه، ما يقترحه بينكر وبيترسون هو البقاء في نطاق ظلال الإله. يريد بينكر أن ينصب إلها جديدًا وهو إله التنوير، بقيمه ومناهجه. أثناء شرحه قواعد الحياة، يستعين بيترسون كثيرًا بالأساطير والأديان العظمى من الماضي، التي يصفها على أنها قصص أخلاقية أساسية. ولكن من مات ليس الإله المسيحي فقط وإنما «ماتت كل الآلهة» كما سيوضح زرداشت -الأنا البديلة سيئة السمعة لنيتشه؛ ليست المسيحية فقط هي التي سقطت عنها الدعائم وإنما كل أنماط الأخلاق.
أوشك بيترسون على الدفاع عما يدافع عنه نيتشه –استغرق طويلًا في فكرته عن موت الإله في كتاب الـ «12 قاعدة»– ولكنه تراجع عن التحديق في الهاوية. ربما لأنه لم يعجبه ما رآه فيها. («حين تحدق في الهاوية، تحدق الهاوية فيك» كما يوضح نيتشه). يتفق بيترسون مع فكرة أننا نعيش في عصر العدمية، ولكنه يرفض وجهة نظر نيتشه التي تقول إن ما تبقى لنا هو أن نخلق قيمنا الخاصة: «لا يمكننا أن نبتكر قيمنا، لأننا ببساطة لا يمكن أن نفرض ما نؤمن به على أرواحنا». لدينا طبيعة لا بد أن نكتشفها، ونحتاج إلى قواعد لحياتنا حتى لا تسيطر الفوضى على النظام.
ليس لدى نيتشه شيء ليقوله ضد القيود، ولا يؤمن بأنه سيكون متاحًا لأي شخص أن يخلق قيمه الخاصة: يسره كثيرًا أن يعيش معظم الناس وكأن الإله ما زال حيًا. ولكن كما رأينا في فقرة الرجل المجنون، لا يعني هذا أنه كان يعتقد أن خَلْق قيم جديدة سيكون غير متاح لأحد. سيكون متاحًا لغير المؤمنين، ممن لديهم الشجاعة لخَلْق قيمهم الخاصة.
في كتابه «عقول خطرة»، كان بينر على حق في الإشارة إلى أن نيتشه «أراد أن يكون الإبداع والآفاق المفتوحة متاحة للفيلسوف البطولي، وأراد آفاقًا مغلقة ومقيدة لجميع الآخرين»، باستثناء أن نيتشه كان يعتقد أن الآفاق المغلقة والمقيدة هي آفاق تفرضها الذات على نفسها (أي أن قطيع أخلاق العبيد يفرضها على نفسه). هذه الرؤية السياسية لا تجعل نيتشه نازيًا على الفور. في الحقيقة، هناك عنصر جمعي في فكر نيتشه: يتقبل بسرور فكرة أن معظم الحضارات عبارة عن مزيج من أخلاق السادة وأخلاق العبيد، ومعظم الناس لا بد أن يستمروا في العيش وكأن الإله ما زال موجودًا، بينما من لا يفعلون ذلك لا بد أن يحظوا بفرصة استكشاف أحوال وجود جديدة.
وفقًا لنيتشه، كل من النمطين الحياتيين له قيمته، وكانت رغبته أن إيجاد التوازن المناسب بين النمطين هو ما يفتح الباب إلى ما نعتبره اليوم الليبرالية السياسية؛ أي السياسة التي تحاول إيجاد الوسيط بين المجالات والمطالب المتصارعة، بينما يحظى كل طرف بحقه.
***
لا شك في أن رَبْط نيتشه بالعدمية صحيح، ولكن لوم نيتشه على العدمية أشبه بقتل الرسول: شخَّص نيتشه مجيء العدمية، ولكنه لم يكرسها؛ مشروعه كله هو محاولة إيجاد مخرج منها. هكذا فإن ربط نيتشه بالفاشية، كما يفعل بينكر وبينر، يؤدي في الغالب إلى نتائج عكسية: سينتهز اليمين البديل الفرصة ويستغل نيتشه لإضفاء ثقل فكري يفتقدونه في حركتهم، مثل النازيين وموسوليني اللذين حاولا استغلال نيتشه لتبرير أفعالهم.
إذا كان نيتشه مشخِّصًا للعدمية وليس رسولًا لها، ربما تجعلنا الأدوات المفاهيمية التي شكَّلها لنفسه ليفهم العالم الذي عاش فيه، أفضل طريقة للاستفادة منه اليوم. في النهاية، كان نيتشه فيلسوفًا للضغينة، التي يبدو أنها تقود معظم السياسات الشعبوية اليوم.
في الحقيقة، إن فكرة «أخلاق العبيد»، التي تمثلها القومية والرهاب من الأجانب والانقسامات، تبدو كطريقة جيدة لوصف العديد من التيارات السياسية في اليمين المتطرف. أنهى برتراند راسل فصله عن نيتشه في «تاريخ الفلسفة الغربية» بهذه الجملة: «كان لأتباعه جولاتهم، ولكن ربما نأمل أن ينتهي هذا سريعًا»، وهذا غير مرجح، وأبرز أسباب ذلك أننا ما زلنا نصارع فكرة «موت الإله». لن يكون المَخرَج بتنصيب نيتشه طيب أو نيتشه خبيث آخر، إنما بالمواجهة المباشرة مع ما حاول أن يعلمه لنا.
ما الذي كان يحاول توضيحه؟ بطريقته الخاصة كان دَرْس نيتشه الأعظم هو فكرته عن العود الأبدي. في فقرة شهيرة أخرى من كتاب «العلم المرح»، يسأل نيتشه: “ماذا يحدث لو في أحد الأيام أو الليالي تسلل شيطان إلى أعماق وحدتك وقال لك: (هذه الحياة التي تعيشها وعشتها، سيكون عليك تكرارها مجددًا تكرارًا لانهائيَا) ألن تلقي بنفسك على الأرض وتُصِرُّ على أسنانك وتلعن الشيطان الذي أخبرك بهذا؟ أم أنك ستختبر اللحظة الهائلة حين تجيبه: (إنك إله ولم أستمع من قبل لشيء بهذا السمو)». الكلمة الرئيسية هنا هي «لو»: لا يزعم نيتشه أن العود الأبدي صحيح –وأنك ستكرر عيش كل موقف في حياتك بشكل لانهائي- ولكنه يسألك كيف تتصرف إذا كان هذا صحيحًا. هل «ستلعن الشيطان» أم ستقول «لم أستمع من قبل لشيء بهذا السمو؟»
ربما يميل معظم الناس إلى الخيار الأول-هناك العديد من اللحظات في حياة الإنسان التي لا يريد تكرارها- والحقيقة أنه لو تُرك للناس الخيار فمعظمهم يريدون أن يعودوا للماضي ليغيروا شيئًا فعلوه وندموا عليه. ما يحاول نيتشه أن يعالجنا منه هو مشاعر البغضاء تجاه ماضينا: يريدنا أن نقبله. وإحدى طرق قبول الماضي هو التعلم منه لمواجهة مستقبلنا: إذا لم نرتكب أخطاء في الماضي كيف يمكن أن نَحذَر ارتكاب الأخطاء نفسها في المستقبل؟
هكذا يمكن أن يكون السؤال الذي نطرحه على أنفسنا: أي فعل مستقبلي يمكن أن يبرر أخطائي الماضية، وما في المستقبل يمكن أن يجعلني أتصالح مع الفعل الماضي الذي أندم عليه؟ هذا هو سبب أن العود الأبدي لا يقتصر فقط على النظر للوراء، ولكن فيه بُعد مستقبلي أيضًا: يكتب نيتشه عن «هذا الذي لا يريد شيئًا مختلفًا، لا في المستقبل ولا الماضي، ولا في الأبدية كلها». تجاوُز بغض المرء لماضيه هو الطريقة الوحيدة لتجاوز العدمية، لإضفاء معنى على حياة المرء من جديد.
ونقول مرة أخرى؛ لن ينجح معظم الناس في الاختبار، ولكن هذا مقبول: نيتشه راض عن فكرة أن معظم الناس –تقريبًا الأغلبية- سيعيشون حياتهم بالطريقة التي عاشوا بها، ولكن بالنسبة لمن يرغب في المحاولة، ربما تقدم فكرة العود الأبدي الأساس لقيم جديدة ولأخلاق جديدة. كما أوضح الفيلسوف الأخلاقي برنارد وليامز في كتابه «الأخلاق وحدود الفلسفة» (1985)، ما كان نيتشه يحاول فعله هو أن تحل محل الأخلاق الرأسية المؤسسية الدوجمائية المطلقة، أخلاق تصاعدية فردية تخلقها الذات. هل سينجح ذلك؟ من يدري، ولكن ربما يحتاج الأمر إلى المحاولة. وإذا لم نحاول فسوف تحل علينا اللعنة التي تجبرنا إلى الأبد على الاستمرار في ممارسة لعبة نيتشه الطيب ونيتشه الخبيث.
عن موقع نيو ستيتسمان 29 أغسطس 2018
ترجمة: أمير زكي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق