الأربعاء، 6 يونيو 2018

الأديب ودودة الحرير؛ نيقوس كازندزاكي.


الأديب ودودة الحرير..

يحدثنا كازندزاكي عن أحواله النفسيّة والمعنويّة ساعة الخلق الفني فيقول:
يحدث لي شيءٌ على غايةٍ من البساطة.. ربما رأيت كيف تنسج دودةُ القزّ شرنقتَها: إنها تلتهم بنهمٍ أوراق التوت طوال شهرٍ تقريباً.. وتصبح في حجم أصبعٍ صغير، ثم فجأةً تتوقّف عن الطعام، ويتحوّل لونُها من الأبيض الرماديِّ إلى الأصفر الشاحب وتطرأ على كيانها كلِّه تقلّباتٌ عميقة: الجلدُ الباهت يصبح شفّافاً .. لقد أصبحت أحشاؤها خيوطاً حريريّة، يهتزّ رأسها ويتحرّك في حركاتٍ دائريّة ببطء شديد، ويخ...
رج من فمها خيطٌ رفيعٌ لا يكاد يُرى.. ويبدأ بناءُ الشرنقة. وبعد بضعة أيام تكون هذه الشرنقة قد نُسِجت بمهارةٍ فائقة، وحنكةٍ لا تخيب.
وتغلِقُ الشرنقةَ عليها من كلّ جانب، وتقبع فيها ميتةً تنتظر الربيع.. وعند مقدمِهِ تثقب قبرَها وتخرج منه فراشةً بيضاء ذات عينين سوداوين صغيرتين..
وإني لأشعر مثل دودة القزّ عندما أكتب كتاباً. ولا يلعب العقل المفكّر إذ ذاك الدورَ الأساسيَّ، كلُّ شيءٍ يتمّ بشكلٍ على غايةٍ من البساطة، ولا تضايقني مشكلاتُ الأدب ولا الفلسفة ولا الجماليّات وأنا منكبٌّ على عملي.. إنّي أحسّ بوجود قانونٍ خفيٍّ يحكم الإنسان الخالق كما يحكم دودةَ القزّ النشيطة، وأسجّل تشابه عمليّة الخلق في الشرنقة وفي الرواية.



(نيقوس كازندزاكي أكبر أدباء اليونان في القرن العشرين (1883ـ 1957)
تأثّر بنيتشه وبرغسون، وقد ظهر ذلك في روايته الشهيرة "أليكسي زوربا" عام 1943 التي نالت جائزة أحسن كتاب صدر في فرنسا عام 1954.)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق