الثلاثاء، 6 مارس 2018

نقد منهجي؛ قراءة في بحث عن مفهوم التوحيد.




نقد منهجي:
قرأت في أحد الأبحاث عن توحيدية موسى وتأثره بأخناتون أو بتوحيدية الكنعانيين ما يلي:

قد يكون من المحتمل الاطمئنان إلى القول: "إنَّ تأثّر الدّيانة اليهوديّة بالديانة الآتونيّة هو أمر منطقيّ وممكن، بصرف النّظر عن حكاية موسى المصريّ. (طرح فرويد هذه الفرضية في كتابه "موسى والتوحيد")  فالدّيانة اليهوديّة نشأت في زمن لا يبعد كثيراً عن زمن ازدهار الآتونيّة. ونستطيع بسهولة أن نفترض أنَّ الديانة الآتونيّة بعد انهيارها، قد تحوّلت إلى ديانة سريّة انتشرت بين المضطهدين الغرباء وخضعت لتحوّلات أساسيّة عبر الوقت، إلى أن اتّخذت شكلها الجديد على يد موسى.  وقد استمرَّت بعض الصلوات الآتونيّة حيّة في كتاب التّوراة. (فراس السواح: مغامرة العقل الأولى). وبناء على ما سبق يمكن الاعتقاد بأنَّه "ومع هذا التّطوّر البطيء تطوّرت فكرة اليهود عن الإله وكان على إلههم يهوه أن ينتظر طويلاً قبل أن ينتقل من مجرّد إله خاصّ بشعب إسرائيل، يصارع ويقارع آلهة الشّعوب الأخرى للحفاظ على وحدانيّته لدى شعبه المختار، إلى إله مطلق للعالم. (السواح: مغامرة العقل الأولى)
ولكلّ ذلك يمكن لنا أن نفترض أنَّه "ليس العبرانيون هم أوَّل من نادى بالوحدانيّة، لأنَّ الوحدانيّة التي نادى بها أخناتون في مصر هي وحدانيّة صحيحة إلى حدّ كبير، وصاحبها كان يبغي لها أن تنتشر في جميع أنحاء العالم، ولكن لم يتمكّن من نشرها، لأنَّها واجهت مقاومة شديدة من جانب الأحزاب المعارضة (...)،  ولم يتزحزح عن عقيدته وإيمانه بآتون الإله الواحد حتّى غادر الدّنيا وهو مؤمن بفكرته، وبذلك يعدّ أخناتون أوّل نبيّ من أنبياء الوحدانيّة. (عبد الحميد زايد: الشرق الخالد).

 فلا مناص من القول: إنًّ "خميرة الفكر التّوحيديّ كانت موجودة لدى العبرانيين باعتبارهم فرعاً من فروع الإيليّة الإبراهيميّة، وموسى لم يكن بحاجة إلى الدّيانة الأخناتونيّة ليبدأ إصلاحه الدّينيّ الجديد داخل الدّيانة الكنعانيّة- العبريّة" (السواح؛ لغز عشتار). بل من المحتمل أنَّ "يهوه العبرانيّ ليس إلّا إيل الكنعانيّ، في حلّة جديدة وتحت اسم جديد فرضته طبيعة الإصلاح الدّينيّ الموسويّ ورغبة العبرانيين فيما بعد بالتّميّز عن جيرانهم الكنعانيين." (السواح؛ لغز عشتار).  ولذلك أيضاً  "لم تكن الحركة الموسويّة إلّا إصلاحاً دينيّاً داخل المؤسّسة الدّينيّة الكنعانيّة  (...)، ولم يكن إله موسى التّوراتيّ سوى إيل كنعان وإيل إبراهيم." (السواح؛ لغز عشتار).

(عفاف مطيراوي؛ مفهوم التوحيد في المتخيّل الإسلامي)


رأي: 

نلاحظ أن الباحثة في الفقرة الأولى تتبنى فكرة أن الديانة اليهودية الموسوية قد أخذت عن أخناتون فكرة التوحيد، وتستشهد في ذلك برأي فرويد وعبد الحميد زايد وبفراس السواح في كتابه "مغامرة العقل الأولى".
لكنها وبنطّة واحدة، وفي سياق يبدو وكأنه استئناف على القول السابق تقول: فلا مناص من القول إن خميرة الفكر التوحيدي كانت موجودة لدى العبرانيين [اليهود] باعتبارهم فرعاً من فروع الإيلية [نسبةً إلى الإله "إيل"] الإبراهيمية، وموسى لم يكن بحاجة إلى الديانة الأخناتونية..
"فلا مناص" توحي، بل يجب أن تستخدم كنتيجة حتمية لما سبق. وما سبق كان القول بأن موسى أخذ التوحيد عن أخناتون. لكن الباحثة تصل بـ "لا مناصها" إلى نفي علاقة توحيدية موسى بأخناتون، وتعيد هذا التوحيد إلى الكنعانيين.. ثم تستشهد بفراس السواح مرةً أخرى، لكن هذه المرة بكتاب متأخرٍ للسواح، هو "لغز عشتار".
هي تقول بأن موسى أخذ التوحيد عن أخناتون، ولا مناص بأنه لم يأخذه من أخناتون. هكذا ومرةً واحدة. وكأن الباحثة لا تعرف ما تقول، وبعبارة صارمة تستنتج عكس ما يؤدي إليه التمهيد.
السؤال الذي يمكن أيضاً أن يطرح، ولا بد أن يطرح: لماذا انتقل السواح من فرضية تأثر موسى بتوحيدية أخناتون في كتابه "مغامرة العقل الأولى" إلى نفي هذا التأثر في كتاب "لغز عشتار"؟
هل هي نتائج البحوث أم هي الأيديولوجيا؟؟

لا يمكن الإجابة بسهولة عن هذا السؤال، لكن هذا يجعلنا أكثر حذراً من أدلجة الباحثين.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق