الخميس، 9 نوفمبر 2017

التفلسف: بين الاستقالة والعجز.




التفلسف: بين الاستقالة والعجز.

وجهة نظر نشرتها وعلق عليها الصديق الدكتور جمال نعيم بإسهاب. أعيد نشرها كما وردت في إطا ر طرح الفكرة للنقاش وتبادل الرأي.
"أشعر أحياناً أننا قادرون على التفلسف ولكننا لا نحاول.
فلسنا على استعداد لأن نبذل جهداً ذهنياً حول مسألةٍ فلسفيةٍ قدر الجهد الذي نبذله في لعبة شطرنج تستغرق ساعة أو ساعتين مثلاً. ولا قدر الجهد الذي نبذله في حل بعض المسائل الرياضية.
نبذل بعض الجهد في محاولة فهم بعض النصوص لفلاسفة، لكننا قلّما حاولنا أن نفكر في موضوعات فلسفية كما فكروا فيها هم لأوقاتٍ طويلة."
في تعليقه على ذلك يرى الدكتور جمال نعيم بأن التفلسف "يتطلّب
المكوث في الأفهوم. فالفيلسوف مثل الهضبة، ينسى نفسه وهو يفكّر. لذا، يمتاز كل فيلسوف بإبداعه لعدد محدود جدًّا من الأفاهيم. ديكارت نفسه لم يستطع اختراع أكثر من خمسة أو ستة أفاهيم بحسب ما يسجّل دولوز. لكن علينا الانتباه الى ما يبتدىء به التفلسف، ألا وهو صياغة مشكلة أو مسألة جديدة، تعبّر عن وجهة نظر، وتتطلّب بالضرورة إبداع أفاهيم جديدة. فالأفهوم لا يتمّ إبداعه عبر التسلية ومن أجل المتعة. وكلّنا يخاف أن يمشي بوجهة نظره حتى النّهاية."
يضيف الدكتور نعيم بأن "كل مسألة فلسفيّة جديدة ترسم مشهدًا فكريًّا جديدًا أو تخلق فضاءً فكريًّا مختلفًا عمّا كنّا نعرفه من فضاءات فكريّة . لذا، علينا أن نعرف ما هو سائد من مشكلات ومن أقوال فلسفيّة حتى نستطيع أن نتفلسف بشكل مختلف، حتى نستطيع أن نفكر بشكل مختلف، حتى نستطيع أن مبتدع طريقة جديدة في التساؤل."
يستطرد الدكتور نعيم بالقول بأن القرون الوسطى قد "دامت ألف سنة تقريبًا، وهي تعالج المشكلات ذاتها. ولعلّ مشكلة العلاقة بين العقل والنقل، بين الحكمة والشريعة، هي الأبرز، الى أن جاء ديكارت وغيّر في المشهد الفكري برمّته من خلال اكتشافه لحقل الذاتيّة في الفلسفة، حيث قال بالأنا أفكر وطرح السؤال التالي: كيف يمكن لما هو ذاتيّ أن يقوّم ما هو موضوعي؟ وبعبارة أخرى: كيف يمكن لي أن أصل الى الحقيقة، الى اليقين انطلاقًا من النّور الطبيعي الموجود بالضرورة في كل واحد فينا؟"
ويرى بأن التفلسف يتطلب مجموعةً من العناصر، منها:
١-حقلًا أو أفقًا جديدًا للتفلسف.
٢-مشكلة جديدة أو إعادة طرح لمشكلة قديمة بشكل مختلف.
٣-أن نغيّر في ما يعنيه التفكير، أي أن نطرح السؤال التالي: ماذا يعني أن نفكّر اليوم؟
٤-ابداع أفاهيم جديدة.
٥-شخصيّة أفهوميّة تقوم بحراثة الحقل وابداع الأفاهيم.
٦-ذوقًا فلسفيًّا يوفق بين مختلف العناصر السابقة.
٧-أسلوبًا جديدًا يجسّد المضمون الجديد.
اذا اجتمعت هذه العناصر في قولٍ معيّن، بالإمكان القول عنه إنّه قولٌ فلسفيّ.
محمد الحجيري
أشكرك دكتور جمال على إضافاتك التي تسمح لنا بالتعرف على آرائك في الكثير من الموضوعات، أو نستفيد من بعض التوضيح والتصويب.
أذكر أني حصلت على ترجمة كتاب "ما الفلسفة؟" لجيل دولوز في أوائل التسعينيات، لكني لم أقرأ الكتاب، فقد كان دأبي الحصول على الكتب أكثر من قراءتها. وحين شرع أحد الزملاء الجامعيين وقتها يعرض علينا مضمون الكتاب أو يناقشنا استناداً على تعريف الكتاب للفلسفة بأنها فن صياغة الأفاهيم.. أذكر أني شعرت يومها بأن الكتاب لا يستحق القراءة. كنت أقول في سري: أمن المعقول أننا ما زلنا حتى اليوم بحاجة لأن نقرأ كتاباً بكامله لنعثر على تعريف للفلسفة؟
ثم هل يُعقل بأن تكون وظيفة الفلسفة فقط هي في صياغة أفاهيم جديدة؟ كنت أظن في حينه بأن في ذلك إهانة واستخفاف بالتفلسف. لكن يبدو أني كنت مخطئاً. ليس لأن ما جاء به دولوز في كتابه سيكون الجواب الصحيح، بل لأن الكتاب كان يستحق الاطلاع عليه قبل تكوين موقف منه.
لكن إذا كان لي أن أبدي رأياً في كتاب لم أقرأه أو في فكرةٍ لم أطلع عليها، مع ما في ذلك من تسرّع، فإني بشكلٍ أولي لا أجدني أتفق مع القول بأن التفلسف يقتصر على إبداع الأفاهيم، أو أن من لا يبتدع أفاهيم جديدة فلا يمكن له أن يتفلسف.
أظن أن التفلسف هو تفلسف، إن أوصل إلى أفاهيم جديدة أو لم يوصل. قد يكون حقاً أن كبار الفلاسفة قد ابتكروا أفاهيمهم الخاصة، لكن لا أجد ما يمنع أن نستخدم موضوعات تم طرحها مسبقاً، وأفاهيم تم استخدامها مسبقاً، للتفكير في تلك الموضوعات ومناقشتها وبالتالي للقيام بنوع من النشاط الفلسفي، تختلف أهميته باختلاف عمق وأصالة تناول تلك الموضوعات وعمقها.
Jamal Naim
ما تقوله يوافق عليه، بالإجمال، دولوز في مفهومه لتاريخ الفلسفة. فتاريخ الفلسفة عنده هو فلسفة، لكن ليس على طريقة هيغل. فالفيلسوف يختار ما يناسب سستامه الفلسفي من الحجارة المضيئة في العمارات الفلسفية المقوّضة ليعدلها وليعيد استخدامها وتوظيفها واستثمارها في قوله الفلسفي المعاصر. وعند دولوز نتعرّف الى فلسفة دولوز في كتبه عن "تاريخ الفلسفة" وفي كتبه الفلسفية. وهذا ما أثار إرباكًا لدى الدارسين.
بالتأكيد، بإمكاننا أن نتفلسف، حتى من دون إبداع لأفاهيم جديدة، لكنّنا بذلك نكون تلاميذ للفلاسفة السابقين أو مريدين لهم. أمّا الفيلسوف فلا بد أن يتميّز بهذا الإبداع الفريد الذي يميّز الفلسفة من المنطق والعلم والفنّ، أعني به إبداع الأفاهيم. وهناك إضافة لا بد من إضافتها ويشير اليها دولوز، وذلك عندما نتناول مهمّة الفلسفة الرئيسة بطرحنا للسؤال التالي: ماذا يعني أن نفكر اليوم؟ فقد نغيّر في معنى التفكير وفي صورة الفكر كما هو حال الخرجين السينمائيين والأدباء، لكن لا نبدع الأفاهيم المناسبة، بل نبدع إنتاجات فنيّة، أي منتجات فنيّة، يصطلح عليها دولوز بالأشاعير والأداريك. عندئذٍ لا نصير فلاسفة وإن كنّا غيّرنا في معنى التفكير، بل نكون مفكرين. فالفنان، حاله كالفيلسوف، هو الآخر يفكر، وكذلك العالم. فالمفكر هو من يغيّر في معنى التفكير، في صورة الفكر، في الصورة التي يأخذها الفكر عن نفسه.
محمد الحجيري
بالطبع كل فعل تفلسف بحاجة إلى إشكالية يهتم بها المتفلسف، قد تكون مرتبطة بموضوعات قديمة أو بطرح إشكالية جديدة. وبالطبع فإن الاطلاع على تاريخ الفلسفة وعلى الآراء السابقة في الموضوع سينتقل بنا إلى خطوة متقدمة في الاهتمام ويوفر جهداً للوصول إلى نتيجة قد يكون تم الوصول إليها من قِبل آخرين.
من يجد إشكالية تستحق البحث، ويبذل جهداً فكرياً معمقاً ومستمراً للإحاطة بالموضوع من كل جوانبه واحتمالاته، ويجرؤ (كما أشرت حضرتك في التعليق الأول) على السير في هذا الجهد حتى نهايته. (وهذا برأيي هو الأهم)، فأظن أن جهده سيحسب على التفلسف. لكن بالطبع ليس كل من فكر في موضوعات بهذه الطريقة يمكن له أن يكون فيلسوفاً. هذا مرتبط بذكائه وبقدرته على الإتيان بجديد ذي قيمة.
تحياتي وشكري المتجدد لك الصديق الدكتور جمال.
Jamal Naim
أوافق تمامًا وأقترح أن تجمع المنشور مع التعليقات.. في منشور واحد لتعميم الفائدة، لا سيّما أنّ هذا الموضوع، أعني به ماهيّة التفلسف، يلتبس على كثيرين، طلابًا وأساتذة فلسفة، وقد تسنّى لي هذا الفهم بفعل تلمذتي على يد الفيلسوف الراحل موسى وهبه وبسبب قراءتي المعمقة لفوكو ودولوز.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق