الجمعة، 3 نوفمبر 2017

الراهب بَحيرا، رأي؛ محمد الحجيري.



الراهب بحيرا، رأي
محمد الحجيري.

تذكر المراجع التاريخية إلى أن النبي محمداً قد التقى الراهب بحيرا مرتين.
مرةً كان عمره بين التسع سنوات إلى اثنتي عشرة سنة.
ومرةً ثانيةً حين كان يقارب الخامسة والعشرين من العمر حين كان يقود قافلة خديجة بنت خويلد التجارية.
بعض الروايات التي تقول بالتأثير الكبير لبحيرا الراهب على النبي محمد، تذهب إلى القول بأن اللقاءات تكررت من خلال جلسات مطوّلة.
تذكر المراجع أن بحيرا في اللقاء الأول طلب من أبي طالب العودة بابن أخيه إلى مكة والمحافظة عليه خوفاً من بطش اليهود إذا هم علموا به. ولا أرى ما يسوّغ هذا الرأي.
أولاً، لماذا يكون في العودة حفاظاً عليه؟ هل كان اليهود في بلاد الشام أكثر منهم في الحجاز؟ ثم لماذا يتخلص منه اليهود إذا أيقنوا أنه نبيّ؟
أظن أن هذا الكلام يمكن أن يقال في فترة لاحقة وفي أجواء الخصومة اللاحقة بين المسلمين واليهود، وهو أمر حصل بعد هجرة النبي محمد إلى يثرب ولأسباب سياسية، بينما كانت علاقته جيدة باليهود حين كان في مكة.
ثانياً، يرد في المراجع أيضاً أن الراهب بحيرا قد قال حين رأى محمداً يحط رحاله تحت الشجرة الوارفة في الصحراء: "ما نزل تحت هذه الشجرة قط إلا نبي" وأكد لميسرة أن قائده هو "آخر الأنبياء".
وهذا كلام مثير للاستغراب. كيف يمكن لشجرةٍ وارفة في منطقة صحراوية ألا ينزل تحتها إلا نبيّ؟
كان يمكن قبول هذا القول لو ورد بصيغة: إن من نزل تحت هذه الشجرة ما هو إلا نبيّ..
يبقى ما ورد أعلاه من التفاصيل.
غالباً ما تتم المبالغة في قيمة هذه اللقاءات للقول بأن محمداً قد تلقى تعليمه على يديّ الراهب بحيرا.
لكن، إن كان يمكن القول بأثرٍ تركته هذه اللقاءات في النبيّ محمد، فلا يمكن مطلقاً أن تكون تفسيراً لما جاء به محمد بعد هذه اللقاءات اليتيمة بخمس عشرة سنة.
من يؤمن بنبوّة محمد يؤمن، ومن لا يؤمن فهو لا يؤمن، ولن تغير هذه الروايات في اعتقاده، جل ما في الأمر أن البعض يبالغ في توظيفها ويحمّلها أكثر مما تحتمل.
إذا أردنا أن نبحث عن الثقافة التي حصّلها محمد، فيجب أن نبحث عنها في مكانٍ آخر.
لقد تزوج محمد من خديجة وهو في عمر الخامسة والعشرين، وكانت هي في الأربعين من عمرها.
وخديجة كانت امرأةً ثرية لها تجارتها بين مكة وبلاد الشام، وكانت على ما يبدو ذات مكانة في مكة، وصاحبة شخصية مستقلة ومثقفة، وعلى تواصل مع النشاط أو الاهتمام الفكري في المدينة. وعلاقتها وقرابتها بورقة بن نوفل معروفة. وورقة كان رجل فكر وذا ثقافةٍ دينية واسعة، وكان يقرأ التوراة والإنجيل، وكان من الأحناف، والبعض يرى أنه كان مسيحياً أو يهودياً..
بعد زواج محمد من خديجة في عمر الخامسة والعشرين، وبين بداية الوحي، خمس عشرة سنة.
يبدو أن محمداً خلال هذه الفترة لم يعد يصحب القوافل. وتقول بعض الروايات بأن خديجة كانت تطلب منه أن يذهب في موسم الحج ليلتقي ويستمع إلى ما يقال في مجالس الحج.
فإذا تقصينا ما حدث أو يمكن أن يحدث لمحمد في هذه السنوات الخمس عشرة من رفقته لخديجة واحتكاكه بهذه البيئة المهتمة بالفكر، وإذا أضفنا إليها ثلاث عشرة سنة بعد بدء نزول الوحي (بحسب التاريخ الإسلامي)، هي السنوات التي انتهت بوفاة خديجة ثم هجرة محمد إلى يثرب، لكان مجموع هذه السنوات ثمانياً وعشرين سنة.
من يريد أن يبحث في ثقافة محمد، فيجب أن يبحث عنها هنا أساساً، أما كل ما عدا ذلك، بما فيها لقاءاتُه مع بحيرا الراهب، فهي بظني ليست أكثر من تفاصيل.
الملفت أن هذه الفترة من حياة محمد لم تأخذ حقها في الأبحاث المتعلقة بحياته وتكوينه الثقافي.
من هي خديجة؟
من هي خديجة المثقفة، وليس خديجة الزوجة فقط.
كيف كانت حياة محمد بعد الزواج؟ كيف كان يمضي وقته؟ ما مدى اهتمامه بمتابعة أمور التجارة والرحلات؟ ما قيمة الثروة التي كانت تملكها خديجة؟
وإذا كانت حقاً من أثرياء مكة، فلا نسمع كثيراً كيف تصرف محمد بتلك الثروة، ولا نسمع أن محمداً كان من الأثرياء.
من هو ورقة بن نوفل؟ (رغم أن هناك أخباراً عن ورقة، لكن أظن أن هذه الشخصية بحاجة إلى تقصٍّ أكبر)، كيف كانت علاقة محمد بورقة؟
أظن أن هذه المرحلة من حياة النبي محمد ما زالت بحاجة إلى الكثير من الأبحاث وتسليط الضوء أكثر من الحديث المبالَغ فيه عن علاقة محمد ببحيرا الراهب.

1 تشرين الثاني 2017.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق