الأحد، 19 نوفمبر 2017

الدكتور جمال نعيم والفلسفة كإبداعٍ للأفاهيم الجديدة عند جيل دولوز.





الدكتور جمال نعيم والفلسفة كإبداعٍ للأفاهيم الجديدة عند جيل دولوز.

"الفلسفة ليست تواصلية، كما أنها ليست تأمّلية ولا تفكّرية: إنها إبداعية، وهي ثورية بطبيعتها، حيث أنها لا تتوقف عن خلق أفاهيمَ جديدة.
الشرط الوحيد هو أن تمتلك (هذه الأفاهيم) ضرورةً، وغرابةً أيضاً، بحيث أنها تجيب عن مشكلاتٍ حقيقية.
الأفهوم هو ما يمنع الفكر من أن يكون تقديراً (opinion) أو رأياً بسيطاً، أو نقاشاً أو ثرثرةً.
إن كل أفهوم هو مفارقة بالتأكيد.."
(جيل دولو)
.

تساؤل
حين يقول دولوز بأن الفلسفة ليست تواصلية كما أنها ليست تأملية ولا تفكرية، 
وإذاكان يرد بذلك على هابرماز الذي يعتقد بأن وظيفة الفلسفة (تواصلية) وعلى أفلاطون الذي يعتبرها تأملية، وعلى كانط الذي يعتبرها تفكّرية أو انعكاسية.
وهو لا يبقي للفلسفة إلا مهمةَ ابتداع المفاهيم.
فهل يعني ذلك أن دولوز يجعل مهمة الفلسفة مهمةً لغوية؟
وما هي "المشكلات الحقيقية" التي يرى دولوز بأن الأفاهيم تجيب عنها؟
.
عن هذه التساؤلات يجيب الدكتور جمال نعيم، أستاذ الفلسفة الحديثة والمعاصرة في الجامعة اللبنانية، بأن الفلسفة، بنظر جيل دولوز، قد اعتقدت لفترةٍ طويلة بأنّها تأمّلٌ في الحقائق الأزليّة: تارةً على طريقة أفلاطون، وطوراً على أنّها تفكُّرٌ في اختصاصات قائمة كما هو حال كنط في نقد العقل المحض، وتفكره في العلم وفي تأسيسه حيث طرح مشكلته الرئيسة: كيف يمكن للأحكام التأليفية قبليًّا أن تكون؟
وهي تعتقد الآن، مع هابرماس، أنّها تواصليّة.
 
لكنّ الفلسفة نسيت أنّها إبداعيّة، بل وحتى ثوريّة وراهنة ومقاومة، نسيت طبيعة الأفهوم الإبداعيّة، وأنّ الأفهوم منتج إبداعي. فكما الرسّام يبدع في الخطوط والألوان، والأديب يبدع في المشاعر والأحاسيس،... فكذلك الفيلسوف هو مبدع لإنتاجات خاصة به، هي الأفاهيم. وهي ليست أشياءَ منجزة ونهائية ولا نجدها في سماءٍ خاصة بها، بل نبدعها وفقًا لمجموعة من العناصر:
١-الأفق أو الفضاء الفكري الذي نشتغل فيه
٢-المشكلة الفلسفية التي نعالجها والتي تتغيّر باستمرار
٣-الصورة التي نأخذها عن معنى التفكير. هل التفكير اكتسابي على طريقة أرسطو؟ هل هو فطري على طريقة ديكارت؟ هل هو توالدي تناسلي على طريقة أنطونين أرتو؟...الخ
٤-الشخصيّة الأفهوميّة التي تبدع الأفهوم، أي التي تحرث الحقل وتقوم بزراعةٍ مختلفة للأفاهيم.
٥-ارتباطه ببقيّة الأفاهيم على مسطح محايثة واحد، أو بالأحرى بالانتماء الى صورة واحدة معيّنة عن الفكر.
٦-ذوق فلسفي يوفق بين مجمل هذه العناصر
بناءً على ما سبق، يصبح للأفهوم معنًى، وبذلك يخالف دولوز الوضعيّة المنطقيّة التي تعتبر الأفاهيم الفلسفيّة فاقدة للمعنى. وبذلك ننتقل مع كل فيلسوف كبير من فضاء فكري الى آخر، وتتعدّد الفضاءات، وبالإمكان القول: تتعدّد الرؤى الفكريّة التي تفكر الانسان والكون والحياة. وبذلك تبقى الفلسفة ما دام هناك إنسانٌ يطرح أسئلة العقل التي يطرحها بطبيعته ويحاول أن يجيب عن المشكلات التي تتغيّر باستمرار، والتي تضفي معنًى على السعي البشري.

ويضيف الدكتور نعيم بأن الأفهوم ليس رأيًا، ولا حتى رأيًا أصليًّا، بل يعبّر عن وجهة نظر متماسكة.
فنحن لا نبدع الأفاهيم عبر التسلية، بل هناك ضرورة تتطلب إبداع الأفاهيم عندما نطرح مشكلة معيّنة ولا تتبلور هذه المشكلة بشكل كامل إلا عندما نبدع الأفاهيم الضرورية والغريبة لها. تذكروا أنّ الفيلسوف يفكر بشكل مختلف، وهو ذلك الغريب في قومه وفي لغته.

وأخيراً يشير نعيم إلى أن الفلسفة ليست  ثرثرةً أو نقاشًا من أجل قيام محادثات ديمقراطيّة ومن أجل إجراء تسويات معيّنة. فالفلسفة عدوانيّةٌ بطبيعتها، والفيلسوف لا يحتمل النّقاش.. فالنّقاش إمّا يأتي متقدّمًا جدًّا وإمّا يأتي متأخِّرًا جدًّا.
عندما نطرح مشكلة معيّنة علينا إبداع أفاهيم ضروريّة تناسبها لا أن نثرثر أو نتناقش من أجل التوصل الى تسويات معيّنة. الأفهوم عدواني لأنّه يعبّر عن وجهة نظر تلغي جميع وجهات النّظر الأخرى، فالفيلسوف يطرح طريقة مختلفة في التفكير.
والفكر عند دولوز يبقى أحمقَ، إلى أن يطرحَ مشكلةً جديدةً أو مشكلةً قديمة بطريقة مختلفة. عندئذٍ تبدأ عمليّة التفكير ويبدأ إبداع الأفاهيم المناسبة.

(عن فيسبوك)


** رابط محاضرة للدكتور جمال نعيم عن النظام الفلسفي للمدرسة المتعالية (صدرا الشيرازي)
بعنوان: كيف لنا أن نتعامل اليوم مع النظام الفلسفي لمدرسة الحكمة المتعالية؟




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق