الأربعاء، 20 سبتمبر 2017

إله قيد الإنجاز؛ محمد الحجيري.


إله قيد الإنجاز

في محاضرةٍ شيقة لـ سبرول (أستاذ فلسفة وعالم لاهوت) عن هيغل، يقول فيها بأن إيمانويل كانط قد صنع جدارً بين الأرض وبين السماء غير قابل للاختراق.. أو لا يمكن للعقل أن يخترقه.
لا يمكن للعقل أن يعرف شيئاً عن عالم السماء أو عن العالم الإلهي.
هذا ما توصل إليه كانط في تحليله لبنية العقل المحض.
وجد هيغل نفسه أمام هذه المعضلة، فقام بتهديم هذا الجدار وأنزل الله إلى الأرض.
لم يعد الله مفارقاً وقابعاً خلف جدار كانط الذي يعزله عن كل محاولات العقل على الفهم.
لقد أصبح الله محايثاً للطبيعة وللتاريخ، بل أصبح الله هو التاريخ، أو هو العقل الذي يتمظهر في سيرورة التاريخ.
وهو عقل جدلي يتجاوز نفسه باستمرار، أو هو يسعى نحو ذاته باستمرار. وهو لن يصبح ذاته بشكل كليّ إلا في نهاية التاريخ ونهاية الجدل.. وهي فكرة قابلة للنقاش على أيّ حال. (أنا لست مقتنعاً بفكرة النهايات هذه منذ أرسطو وحتى هيغل)
أذكر في هذه المناسبة عبارةً فرنسية تختزل فكرة هيغل عن الألوهية.
كان أستاذنا أيام الجامعة يحدثنا عن عبارتين فرنسيتين متشابهتين، لكن معناهما مختلف أشد الاختلاف، بل إن إحدى هاتين العبارتين يعتبرهما الكثيرون نوعاً من الخطأ اللغوي.
العبارة الأولى تقول:
Dieu n'a rien du tout fait.
أما العبارة الثانية فتقول:
Dieu n'a rien de tout fait.

العبارة الأولى تعني أن الله لم يفعل أو لم يصنع شيئاً على الإطلاق.
قد نختلف أو نتفق على مضمون العبارة، لكنها واضحة من الناحية اللغوية، وأظن بأنها تعبر عن فكرة أرسطو عن الإله الذي لم يصنع شيئاً، فالعالم قديم غير مخلوق.
أما العبارة الثانية والتي يعتبر كثيرون بأنها ليست إلا خطأً لغوياً، فإنما هي عبارة هيغلية تقول: "ليس لدى الله شيءٌ ناجز".

le tout fait.
بالفرنسية تعني: الجاهز أو الناجز.
ويمكن الذهاب أبعد من ذلك بالقول: ليس في الله شيء ناجز.
إنه هذه السيرورة للعقل في التاريخ، أو هذا العقل المبثوث في الكون والمحايث لهذا الكون.
إنه نهاية الطريق والغاية.
وبذلك يدخل هيغل ضمن فلاسفة وحدة الوجود: الله هو العالم. أو هو عقل العالم وقانونه.

محمد الحجيري
20 أيلول 2017.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق