الجمعة، 4 نوفمبر 2016

السقف المنخفض؛ محمد الحجيري.



السقف المنخفض..
.
في المركبة الفضائية التي كانت تقلّنا إلى كوكب في مجرّة أخرى، كوكب عامر بالحياة، كنا نتحدث خلال الرحلة عن الأحلام ..
وبعد أن هبطت المركبة على الكوكب المقصود، كان لقاؤنا الأول مع جماعة من العلماء من سكان الكوكب، الذي لم نكن بعدُ قد أطلقنا عليه اسماً أرضياً.

المفاجأة الأولى كانت أن سكان ذلك الكوكب كانوا يشبهوننا في كل شيء، إلا في أمرٍ أثار استغرابنا: فهم لم يكونوا يملكون عيوناً.. 
يا لَلغرابة! كيف يرى هؤلاء القوم؟؟

كان الحوار بلغة كونيّة يفهمها الجميع..
قال كبيرهم: ـ هات أخبرنا عن عالَمِكم. عن مفكريكم وفلاسفتكم..
قلت: ـ كان لدينا منذ آلاف السنين فلاسفة في جزيرة يونانية، أحدهم كان اسمه أفلاطون، وكان يكتب فلسفته على شكل حوارات، يستعين فيها بالقصص والأساطير المتخيَّلة لتقريب نظرياته إلى أفهام العامّة..
ثم رحت أحدّثهم عن أسطورة الكهف: رجال مقيّدون في كهف .. النور من خلفهم والظلال من أمامهم و ..
وقبل أن أكمل الشرح ساد هرج كبير، ثم أخذ كبيرهم الكلام سائلاً: وماذا تعني بالنور والظلام؟ ليس لدينا هذه المفردات في مراجعنا..
أُسقِط في يدي.. ولم أحر جواباً.
وبعد تفكير طويل ومداولات بين أعضاء الفريق، تم الاتفاق على تفسير النور والظلام بالحرارة والبرودة..
ـ النورـ استأنفتُ ـ يشبه الحرارة، بل هو مبعثها.
أما البرودة فهي حاصل غياب النور. والنور يصدر عن النجوم والشموس التي لا تعرفون منها إلا الحرارة والجاذبية والحقل المغناطيسي..
ثم أردت متابعة الكلام، إلا أن أحد الزملاء في الفريق شدّني بقوّة من كتفي وهزّني بطريقة أثارت استغرابي.. لأستيقظ وأكتشف بأن من شدّني كانت يدٌ من الواقع لتوقظني من حلمٍ كنت أكابد فيه مشقة الشرح والتوضيح لعالَمٍ لا يملك من الدنيا إلا أربع حواس..
ظِلتُ لدقائق ممدداً على الفراش أفكّر في حديثنا عن الأحلام، حين كنّا على متن المركبة الفضائيّة (أو كنت أحلم أننا كذلك) ..

أمضيت يوماً مشتت الذهن في عملي، وحين عدت إلى وحدتي استأنفت التفكير في احتمال وجود حياة لبشر لا يمتلكون من الحواس إلا أربعاً منها..
ثم صرت أتحدث في أمور أثارت استغراب والدتي..

سمعتها يوما تشتكي الأمر لأبي: "لقد جُنّ الفتى يا بو أحمد، إنه يتحدث هذه الأيام مع الجن عن كائنات عمياء."

نهرني الوالد متوعّداً بالويل إن عدت إلى مثل هذه الترّهات.
.. فعدت إلى رشدي وتذكرت بأن الأرض مركز الكون، وبأن الله خلق الكون من أجل آدم وبأنه حول آدم يدور .. ويدورُ.. ويدور.

محمد الحجيري
2014/12/12

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق