الاثنين، 19 سبتمبر 2016

الانفعال وتمظهراته الجسدية بحسب ريبو./ ترجمة محمد الحجيري

ريبو:الانفعال لا يسبق الحركة.
 لا يمكن الفصل بين الانفعال وتمظهراته الجسدية إلا على سبيل التجريد:

الانفعال يأتي لاحقاً كوعي لحالة الاضطراب العضوية والحركيّة.
بسبب عرض آراء ريبو بأشكال مختلفة، يبدو أنها لا تعبّر عن رأيه بدقة في موضوع الانفعال والميول والحركة، وغالبية الكتابات تنسب إليه آراءً يبدو أنها لوليم جيمس ولـ لانج، ويبدو أن السبب في ذلك هو شرح ريبو لتلك الآراء قبل أن يبدي رأيه، الذي يبدو لي أكثر اعتدالاً، فقد حصل الخطأ، بما في ذلك في بعض الكتب التي تعتبر مرجعاً في مادة الفلسفة للصفوف الثانوية، مثل كتاب ويسمان، الذي يعود إلى ستينيات القرن الماضي، ولتقصي رأي ريبو الحقيقي فقد عدت إلى كتابه "سيكولوجيا الأحاسيس" وترجمت بعض الصفحات المرتبطة بالموضوع، مع الإشارة إلى أن رابط الكتاب المذكور موجودة في آخر الفقرات المترجمة.
(محمد الحجيري)

ترجمة النص:
إن الملاحظة الداخلية، مهما كانت حاذقة، لا تستطيع إلا وصف الواقعة الداخلية وأن تسجل تبايناتها؛ بينما هي تبقى صامتةً في ما يخص شروط وأصل الانفعال. إنها لا تدرك إلا ميلاً دون جسد، أي تجريداً.
ليس هناك أي ظاهرة للحياة النفسية، دون أن نستثني الإدراك الحسي، ترتبط عن قرب بالشروط البيولوجية أكثر من الانفعالات.
إن جدارة جيمس ولانج الكبرى هي في إثباتهما، في وقت واحد وبشكل مستقل أحدهما عن الآخر، الأهمّية الكبيرة للعوامل الفيزيولوجية في عمليّة الانفعال.
ليس في نيّتي أن أعرض مطوّلاً فكرة هذين المؤلّفين رغم أنها المساهمة الأكثر أهمّية في سيكولوجيا الانفعالات منذ زمن طويل.
لقد بدأت هذه الفكرة تصبح معروفةً بقوّة، وهي في كل الأحوال يمكن لها أن تُقبَل بيُسر.
وباختزالها إلى ما هو جوهريّ، يمكن أن تُختَصَر بفرضيّتين أساسيّتين:
1ـ إن الانفعال ليس إلا الوعي لكل الظواهر العضويّة (الخارجية والداخلية) التي ترافقه (أي ترافق الوعي) والتي تُعتبَرُ على العموم كنتائج له. وبتعبيرٍ آخر فإن ما يعتبره الحسُّ المشترك كنتائجَ للانفعال، هو سببٌ لهذا الانفعال.
2ـ يختلف انفعالٌ عن انفعال آخر حسب كمّية ونوعيّة هذه الحالات العضويّة، وحسب تكويناتها المختلفة، وهي ليست إلا التعبير الذاتي لهذه الأشكال المختلفة من التركيب.
يقول لانج بأننا لكي نعالج موضوعاً بشكلٍ علميّ، يجب أن نهتمّ بإشارات موضوعيّة: إن دراسة الضوء لم تصبح علمية إلا حين اكتشف نيوتن خاصيّةً موضوعيّةً، هي خاصّية انكسار أطياف الضوء. فلنقُم بنفس الشيء في ما يتعلق بالانفعال، وهذا أمرٌ ممكن.
كل واحد من الانفعالات يمكن ترجمته إلى إشارات ومواقف وظاهرات عضويّة نخطئ إذا اعتبرناها ثانويّةً وتابعة تأتي لاحقاً: فلندرس هذه الانفعالات، وهكذا سنستبدل بالاستبطان (أي المعرفة الداخلية) سياقاً موضوعياً في البحث.
وكما أنه من المناسب أن نبدأ بالبسيط، فإن المؤلِّف اهتم بـ "بعض الانفعالات الأكثر وضوحاً والأكثر تمايزاً، كالفرح والخوف والحزن والغضب والخجل والتوقّع (الانتظار)"، ويتحاشى النظر في "تلك الانفعالات حيث الوقائع الجسديّة قليلة البروز وقليلة القبول".
اتباعاً لوصفٍ دقيق للانفعالات المذكورة أعلاه وأعراضها الجسديّة، أحيل إلى المرجع المذكور.
من خلال التعميم، نرى بأن الظاهرات الموصوفة يمكن إرجاعها إلى مجموعتين:
1ـ تبدلات في التعصيبات (الانشدادات) العضليّة: فهي تضعف في حالتيّ الخوف والحزن، وتقوى في حالات الفرح والغضب والإلحاح.
2ـ تبدلات في الأوعية الدموية الحركيّة: انقباض في حالتيّ الخوف والحزن، وتمدّد في حالتيّ الفرح والغضب.
هل لهاتين المجموعتين نفس الأهميّة؟ هل هما أوّليتان بنفس المستوى، أم أن إحداهما تابعةٌ للأخرى؟
يقول لانج أنه بقدر ما يسمح الوضع الحالي لمعارفنا لنا بالإجابة، فإن تبدلات الأوعية الدمويّة يجب أن تكون هي الأولى، وأدنى تغيرات في تدفّق الدم يعدّل بعمق وظائف الدماغ والنخاع الشوكي.
ما دلالة كل هذا بالنسبة للانفعالات؟

بالنسبة لعلم النفس الشائع، إن حالة انفعالية خاضعة للتحليل يتم تحليلها كالآتي:
أولاً، توجد الحالة الذهنية: فكرة أو إدراك حسي كنقطة انطلاق (خبر سيّء أو ظهور أمرٍ مخيف، أو تلقي إهانة).
يليها ثانياً، حالةٌ عاطفية، أي الانفعال: الحزن أو الغضب أو الخوف.
ثالثاً، بعد ذلك تأتي الحالات العضوية والحركات الناتجة عن هذا الانفعال.


لكن الانفعال مفهوماً على هذا النحو ليس إلا جوهراً وفرضيّة محضة.
والحال هذه، فإن الفرضيّة لتكون مقبولةً مطلوبٌ منها أن تفسّر كل الظواهر وأن تكون ضروريةً لذلك [أي أنه لا يمكن تفسير هذه الظواهر دون اللجوء إلى هذه الفرضيّة]. وليس هذا هو واقع الحال. 


في الحياة العادية كما في الحالات المرضية، توجد انفعالات لا تصدرعن أيِّ فكرة، بل على العكس من ذلك فهي التي تخلق هذه الأفكار: الخمرة تخلق البهجة، والكحول تخلق الشجاعة، وبعض الجذور تسبب انحطاطاً يشبه ذلك الناجم عن الخوف، وحشيشة الكيف تنتج الحماسة، والاستحمام يجلب الهدوء..
إن المصحات العقلية مليئةٌ بالمرضى الذين يعانون من السوداوية والقلق والسخط "من دون سبب". أي هي غير ناتجة عن أيّ إدراك حسيّ أو صورة. وهنا نصل إلى السبب الحقيقي لذلك: إنه التأثير الفيزيائي.


فلنتخلص إذاً من الفرضية غير المفيدة التي تقول بالجوهر النفسي والتي تعتبر بأن الانفعال يأتي ليتموضع بين الإدراك الحسي أو الفكرة وبين الأحداث الفيزيولوجية.
ولنقلب الترتيب المقبول من قبل العامّة ولنقل: تأتي الحالة الذهنية أولاً، ثم تحدث الاضطرابات العضوية والحركية، ثم يأتي وعي هذه الاضطرابات الذي يشكل الحالة النفسية التي نسميها الانفعال.


وبطريقة مختلفة وحججٍ مختلفة، فإن وليم جيمس يدافع عن نفس الفكرة: "إن الانفعال هو هذه التبدلات الجسديّة التي تلي الإدراك الحسّي مباشرةً، يضاف إليها وعيُنا لهذه التبدّلات، كما يتم حصولها".

على الضد من الحس المشترك، يجب القول: لأننا نبكي فإننا حزينون. ولأننا نَضرِب فإننا نشعر بالغضب. ولأننا نرتجف فإننا نخاف.
فلنُلغِ في حالة الخوف خفقان القلب، والتنفس اللاهث، والارتجاف والضعف العضلي والحالة الخاصة للأحشاء..
ولنُلغِ في حالة الغضب غليانَ الصدر، واحتقان الوجه، وتوسّع فتحات الأنف وصرير الأسنان والصوت المرتج والميول الاندفاعيّة.
ولنلغِ في حالة الحزن البكاءَ والتنهدات والنحيب والاختناق والقلق.. فماذا سيتبقى؟ حالةٌ ذهنيّةٌ صرف، باهتة وباردة ودون لون.
إن انفعالاً مجرّداً من جسديّته هو لا وجود.


(ترجمة عن كتاب ريبو "سيكولوجيا الأحاسيس" ص: 94ـ 95ـ 96.)
25 تشرين الأول 2015

رابط النص المترجَم:
https://archive.org/stream/lapsychologiede00ribo…
****************************************

الانفعالات عند ريبو: بين العاملين النفسي والجسدي.

"من الواضح أن كاتبينا [جيمس و لانج] يضعان نفسيهما، بوعي أو بلاوعي داخل وجهة النظر الثنائية [فكر/مادة]، تماماً مثل الرأي السائد الذي يحاربانه [في إشارة إلى الثنائية بين الفكر والمادة التي أحياها ديكارت بقوّة]. والفارق الوحيد هو في هذا التداخل ما بين السبب والنتيجة.

فالانفعال هو السبب، والتمظهرات الجسديّة هي النتيجة حسب البعض..
بينما يرى الآخرون بأن التمظهرات الجسديّة هي السبب، والانفعال هو النتيجة.


بالنسبة لي، هناك فائدة كبيرة في أن نستبعد من المسألة كل مفهوم للسبب والنتيجة، وكل علاقة سببيّة، وأن نستبدل بهذه الثنائية مفهوماً واحديّاً..
إن الصيغة الأرسطية عن المادّة والصورة تبدو لي ملائمةً بشكلٍ أفضل. ونقصد بـ "المادة" الوقائع الجسديّة، وبـ "الصورة" الحالة السيكولوجية المناظرة.


إن الطرفين بالمقابل [المادة والصورة، أو الانفعال وتمظهراته الجسديّة]، لا يتواجد واحدهما إلا من خلال الآخر ولا يمكن الفصل بينهما إلا على شكل تصوّرٍ تجريدي."


(عن كتاب "la psychologie des sentiments" ص: 113)

رابط النص الثاني المرجَم:
https://archive.org/stream/lapsychologiede00ribo

يبدو أن ما هو شائع عن ريبو، وبخاصة في كتاب ويسمان، هو رأي جيمس ولانج وليس رأي ريبو بشكل دقيق. وإن كان هناك تقاطعات بين الرأيين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق