مطاع صفدي الذي غادر بصمت.
عاش مطاع صفدي في الظل، ومات بصمت. لم يهتم لموته إلا القلّة، ربما لأنه لم يكن معروفاً كما غيره من المفكرين، أمثال أركون ونصر حامد أبو زيد وغيرهما.
عاش المفكر السوري حياته مهموماً بنهضة العالم العربي ووحدته، وانتقل من الحياة الحزبية والسياسية المباشرة، إلى العمل في المجال الفكري، حيث وجده المكان المناسب للتأسيس لنهضة حقيقية، وربما بسببٍ من تكوينه الشخصي الهادئ الذي لم يحتمل المماحكات في الخطاب السياسي.....
أشرف، من خلال مركز الإنماء القومي على نقل العديد من كتب الفلسفة إلى العربية، وأعطى اهتماماً خاصاً لأعمال ميشال فوكو، حيث أشرف على ترجمة العديد من كتاباته، وساهم في بعضها، وربما كان من أصعبها على الترجمة هو كتاب "الكلمات والأشياء"، الكتاب الذي ساهم في ترجمته العديد من المترجمين من لبنان والدول العربية، وقد كانت ترجمة بالغة الأمانة: لقد كنت أقارن بين النص الفرنسي والنص العربي، فأجد التزاماً دقيقاً في عملية الترجمة، على ما في ترجمة فوكو من صعوبة، لا يعرفها إلا من خاض تجربتها، أو من قارن بين النصّين العربي والفرنسي.
صدر عن المركز، الذي يبدو أنه كان يعاني من مشاكل ماديّة، مجلتان فكريتان: "الفكر العربي المعاصر"، التي كانت لا تزال مستمرّةً في الصدور، وإن يكن بشكلٍ غير منتظِم. ومجلة "العرب والفكر العالمي"، التي صدر منها بضعة عشر عدداً، والتي أظن أنها من أهم ما صدر في الفلسفة باللغة العربية.
تعرّفت إلى مطاع صفدي عام 2004.
كنت قد ترجمت بحثاً عن نيتشه وعلاقته بفاغنر وبالموسيقى، أشارت عليّ الدكتورة وفاء شعبان، أستاذة الفلسفة المعاصرة في كلية التربية، بنشره في مجلة الفكر العربي المعاصر.
التقيت صفدي في مركز الإنماء القومي في شارع الحمراء.
هادئ ودود، خفيض الصوت.. لكن أذكر أنني حين استفزّيته بالمقارنة بين استعمار الغرب لنا واستعمار العرب في السابق لشعوبٍ أخرى، وكنت أعرف مدى تمسكه بعروبته، أجاب بلهجة أقرب إلى الحدّة بأن العرب كانوا يتشاركون مع تلك الشعوب ويتساوون معها، بينما الاستعمار الغربي لم يتعامل يوماً مع شعوب مستعمراتِه كمتساوين. دائماً كانوا يميّزون أنفسهم ويعملون على نهب الأقطار التي يصلون إليها..
لا أعرف مدى الموضوعية في تلك الإجابة.. لكنني ما زلت أذكرها.
ملاحظة أخيرة يمكن قولها في مطاع صفدي: إن من يحاول قراءة ما كتبه صفدي، سيجده معقداً وفيه الكثير من الفذلكات اللغوية، لكن من يحاول أن يقرأه بتمهّل، سيدرك دقّته وقدرتَه على تطويع اللغة العربية لنقل مفاهيم جديدة وغير مألوفة.
(محمد الحجيري)
عاش مطاع صفدي في الظل، ومات بصمت. لم يهتم لموته إلا القلّة، ربما لأنه لم يكن معروفاً كما غيره من المفكرين، أمثال أركون ونصر حامد أبو زيد وغيرهما.
عاش المفكر السوري حياته مهموماً بنهضة العالم العربي ووحدته، وانتقل من الحياة الحزبية والسياسية المباشرة، إلى العمل في المجال الفكري، حيث وجده المكان المناسب للتأسيس لنهضة حقيقية، وربما بسببٍ من تكوينه الشخصي الهادئ الذي لم يحتمل المماحكات في الخطاب السياسي.....
أشرف، من خلال مركز الإنماء القومي على نقل العديد من كتب الفلسفة إلى العربية، وأعطى اهتماماً خاصاً لأعمال ميشال فوكو، حيث أشرف على ترجمة العديد من كتاباته، وساهم في بعضها، وربما كان من أصعبها على الترجمة هو كتاب "الكلمات والأشياء"، الكتاب الذي ساهم في ترجمته العديد من المترجمين من لبنان والدول العربية، وقد كانت ترجمة بالغة الأمانة: لقد كنت أقارن بين النص الفرنسي والنص العربي، فأجد التزاماً دقيقاً في عملية الترجمة، على ما في ترجمة فوكو من صعوبة، لا يعرفها إلا من خاض تجربتها، أو من قارن بين النصّين العربي والفرنسي.
صدر عن المركز، الذي يبدو أنه كان يعاني من مشاكل ماديّة، مجلتان فكريتان: "الفكر العربي المعاصر"، التي كانت لا تزال مستمرّةً في الصدور، وإن يكن بشكلٍ غير منتظِم. ومجلة "العرب والفكر العالمي"، التي صدر منها بضعة عشر عدداً، والتي أظن أنها من أهم ما صدر في الفلسفة باللغة العربية.
تعرّفت إلى مطاع صفدي عام 2004.
كنت قد ترجمت بحثاً عن نيتشه وعلاقته بفاغنر وبالموسيقى، أشارت عليّ الدكتورة وفاء شعبان، أستاذة الفلسفة المعاصرة في كلية التربية، بنشره في مجلة الفكر العربي المعاصر.
التقيت صفدي في مركز الإنماء القومي في شارع الحمراء.
هادئ ودود، خفيض الصوت.. لكن أذكر أنني حين استفزّيته بالمقارنة بين استعمار الغرب لنا واستعمار العرب في السابق لشعوبٍ أخرى، وكنت أعرف مدى تمسكه بعروبته، أجاب بلهجة أقرب إلى الحدّة بأن العرب كانوا يتشاركون مع تلك الشعوب ويتساوون معها، بينما الاستعمار الغربي لم يتعامل يوماً مع شعوب مستعمراتِه كمتساوين. دائماً كانوا يميّزون أنفسهم ويعملون على نهب الأقطار التي يصلون إليها..
لا أعرف مدى الموضوعية في تلك الإجابة.. لكنني ما زلت أذكرها.
ملاحظة أخيرة يمكن قولها في مطاع صفدي: إن من يحاول قراءة ما كتبه صفدي، سيجده معقداً وفيه الكثير من الفذلكات اللغوية، لكن من يحاول أن يقرأه بتمهّل، سيدرك دقّته وقدرتَه على تطويع اللغة العربية لنقل مفاهيم جديدة وغير مألوفة.
(محمد الحجيري)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق