الخميس، 27 مارس 2014

متى نكتب؟ (محمد الحجيري)



متى نكتب؟


سألني أحد الأصدقاء مرّةً: "لماذا لا تكتب شيئاً"؟

أخبرته أنّي أيام الدراسة في الجامعة اللبنانية ـ كلّية الآداب، وقد نظّم بعض طلاّب قسم اللغة العربيّة لقاءً شعرياً، يقرأون فيه بعضَ ما كتبوا، وحين جاء دورُ أحدِ الأصدقاء، لم يقرأ شعراً له، بل قرأ قصيدةً لمحمود درويش، هي قصيدة "يطير الحمام".

بعد الانتهاء سألتُه: لمَ لم تقرأ شيئاً كتبتَه أنت؟

أجابني: لماذا أكتب بوجود شعراء بمستوى محمود درويش؟

اعترض صديقي بعد أن أخبرته هذه القصّة بالقول: لكنّ محمود درويش لم يكن في بداياته "محموداً درويشاً" ..

.. وما أزال حائراً ما بين الموقفَيْن اللذين لهما ما يبرّرهما.

حين نقرأ لبعض الكتّاب، نشعر كم علينا أن نقرأ ونقرأ، وكم ضاع من عمرنا دون قراءة...

وحين نقرأ لآخرين ممّن يتنطّحون للكتابة، نشعر كم كان علينا أن نكتب، وكم كان عليهم أن يقرأوا.

فنحن نعيش في عصر الضحالة. وفي عصرٍ تفصل مسافاتٌ ضوئيّةٌ بين كاتبٍ و"كاتب".

لم تعد المعرفة بقواعد اللغة وبمفرداتها من مستلزمات "الشاعر" أو من عدّة الشغل لديه.

كنّا إذا قرأنا في الماضي، أو استمعنا لوسيلة مرئيّة أو مسموعة، ننمّي لدينا ملَكَة اللغة السليمة، فنميّز "النشازات" اللغويّة حتى لو لم نعرف القاعدة اللغويّة التي تمّت استباحتها.

أما اليوم، فكلّ المقاييس قد انتُهِكت: فلا المذيعة (أو المذيع) تحسن القراءة الصحيحة، وهي (أو هو) حين تصل إلى قراءة الأعداد تقولها بالعاميّة تحاشياً للحرج.. ولا الكاتب يشعر بأنه ملزَمٌ باعتماد القواعد الإملائيّة.. فحدّث ولا حرج عن الأخطاء. ولم تعد كَثرةُ القراءةِ تحصّن القارئ وتعزّز مقدرته اللغويّة, لذلك كثيراً ما أنصح طلابّي بحسن اختيار الكتاب الذي يقرأونه، حتى لا تُفسد القراءةُ مقدرتَهم اللغويّةَ بدلاً من أن تعزّزها.

.. هذا دون أن نتحدّث عن الكتابة "العامّية" أو "الفايسبوكيّة".

قدّرت، بعد حواري مع صديقي، أنه ربما كان عليّ أن أكتب قليلاً ( وإن كان علينا أن نقرأ كثيراً). وذلك لظنّي بأن الآليّة الذهنيّة في الكتابة تختلف عن تلك الخاصّة بالقراءة.

وربما أيضاً لأن الكتابة تجعلنا نقرأ بطريقةٍ مختلفة، فنستفيد أكثر من النصوص التي نقرأها.

 فلا يبخلنّ علينا ذوو السبقِ بكتاباتهم. نريد أن نقرأ لهم ونتعلّم منهم..

وأخيراً أقترح أن نستفيد من إمكانيّة التواصل التي توفّرها لنا التقنيّات الحديثة، لنطرح أسئلتنا فنتلقّى الإجابات من ذوي الإختصاص .. ألسنا كلّنا نتعلّم؟

(محمد الحجيري؛ آذار 2014)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق